نقد كتاب الإفطار في السفر على ضوء الكتاب والسنة
الكتاب تأليف جعفر السبحاني وهو يدور حول مسألة إباحة صوم المسافر إذا كان يقدر على الصوم أو تحريمها وهو يخبرنا أن فقهاء المذاهب اتفقوا مشروعية الإفطار جوازا أو وجوبا في السفر وفى هذا قال تعالى:
"أما بعد، فان الإسلام عقيدة وشريعة، فالعقيدة هي الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر ،والشريعة هي الأحكام الإلهية التي تكفل للبشرية الحياة الفضلى وتحقق لها السعادة الدنيوية والأخروية وقد امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، ووضع الحلول لكافة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة غير أن هناك مسائل فرعية اختلف فيها الفقهاء لاختلافهم فيما أثر عن مبلغ الرسالة النبي الأكرم (ص) ، الأمر الذي أدى إلى اختلاف كلمتهم فيها"
وبين السبحانى اتفاق فقهاء المذاهب على وجوب فطر المسافر وجوازه فنقل عنهم من بطون الكتب فقال
"الإفطار في السفر:
اتفقت كلمة الفقهاء على مشروعية الإفطار جوازا أو وجوبا في السفر تبعا للذكر الحكيم والسنة المتواترة إلا انهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة، نظير الخلاف في كون القصر فيه جائزا أو واجبا
ذهبت الإمامية تبعا لأئمة أهل البيت والظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة، واختاره من الصحابة: عبد الرحمن بن عوف وعمر وابنه عبد الله وأبو هريرة وعائشة وابن عباس، ومن التابعين: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابنه محمد الباقر وسعيد بن المسيب وعطاء وعروة بن الزبير وشعبة والزهري والقاسم ابن محمد بن أبي بكر ويونس بن عبيد وأصحابه وذهب جمهور أهل السنة وفيهم فقهاء المذاهب الأربعة إلى كون الإفطار رخصة وإن اختلفوا في أفضلية الإفطار والصوم
قال الجصاص: الصوم في السفر أفضل من الإفطار، وقال مالك والثوري: الصوم في السفر أحب إلينا لمن قوي عليه،وقال الشافعي: إن صام في السفر أجزأه وقال السرخسي: إن أداء الصوم في السفر يجوز في قول جمهور الفقهاء، وهذا قول أكثر الصحابة،وعلى قول أصحاب الظواهر لا يجوز إلى أن قال: إن الصوم في السفر أفضل من الإفطار عندنا
وقال الشافعي: الفطر أفضل، لأن ظاهر ما روينا من آثار يدل على أن الصوم في السفر لا يجوز، فإن ترك هذا الظاهر في حق الجواز بقي معتبرا في أن الفطر أفضل، وقاس بالصلاة فان الاقتصار على الركعتين في السفر أفضل من الإتمام فكذلك الصوم لأن السفر يؤثر فيهما، قال (ص): «إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم» وقال ابن قدامة المقدسي: حكم المسافر حكم المريض في إباحة الفطر وكراهية الصوم وإجزائه إذا فعله، وإباحة الفطر ثابتة بالنص والإجماع، وأكثر أهل العلم على أنه إن صام أجزأه إلى أن قال: والفطر في السفر أفضل
وقال القرطبي: واختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر، فقال مالك والشافعي في بعض ما روي عنهما: الصوم أفضل لمن قوي عليه وجعل مذهب مالك التخيير وكذلك مذهب الشافعي، قال الشافعي ومن تبعه: هو مخير ولم يفضل وكذلك ابن علية
وهذه النقول وغيرها صريحة في اتفاق الجمهور على جواز الإفطار في السفر لا على وجوبه مع اعتراف الشافعي بأن ظواهر الأدلة هو المنع عن الصوم حيث قال: «لأن ظاهر ما روينا من الآثار يدل على أن الصوم في السفر لا يجوز» وإن كان ما نقله القرطبي وغيره عنه يخالفه وعلى كل تقدير فالإفطار جوازا ووجوبا من أحكام السفر، فالمهم هو بيان ما يستفاد من الأدلة من كون الإفطار عزيمة أو رخصة وسيتضح إليك أن الإفطار عزيمة يدل عليها الكتاب والسنة "
مما سبق يتضح اختلاف القوم مع أن النصوص واضحة ولكن الكثير من الفقهاء خرجوا على النص وقد استعرض السبحانى النصوص فى القرآن وذكر الروايات عند الفرق فقال:
"الكتاب وصوم رمضان في السفر:
قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)(أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
إن هذه الآيات المباركة تتضمن أحكام الطوائف الأربع بعد التأكيد على أن الصوم مما كتب على المؤمنين كما كتب على الذين من قبلهم والكتابة آية الفرض والوجوب غالبا، وليس للمكلف تركه، فالله سبحانه يخاطب قاطبة المؤمنين بقوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فالصيام مكتوب على الإنسان بأشكال مختلفة من غير فرق بين المصح والمريض والمسافر والمطيق، لكن يختلف امتثاله حسب اختلاف أحوال المكلف، لأنه ينقسم حسب العوارض إلى الأصناف الأربعة، ولكل صنف حكمه
الفقيه كل الفقيه ما يكون بصدد فهم القرآن والسنة سواء أوافق مذهب إمامه الذي يقلده أم خالف، غير ان كثيرا من المفسرين في تفسير هذه الآيات حاولوا أن يطبقوها على مذهب إمامهم من دون أن يمعنوا النظر في مفردات الآية وجملها حتى يخرجوا بنتيجة واحدة من دون اختلاف وقد عرفت أقوالهم فنقول:
الآيات المتقدمة تبين أحكام الأصناف الأربعة التي عرفت عناوينها، وإليك بيان ما يستفاد من الآيات في حق هؤلاء
1 الصحيح المعافى
إن قوله سبحانه: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) صريح في لزوم الصوم لمن شهد الشهر، من غير فرق بين تفسير شهود الشهر بالحضور في البلد وعدم السفر، أو برؤية الهلال، فليس للشاهد إلا تكليف واحد وهو صوم الشهر كله إذا اجتمعت فيه الشرائط
2 المريض
3 المسافر
وقد بين سبحانه حكم المريض والمسافر بقوله في موردين:
(فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)
والمقصود فهم ما تتضمنه الجملة في الموردين من الحكم في حق المريض والمسافر، فهل هو ظاهر في كون الإفطار عزيمة أو رخصة؟
والإمعان في الآية يثبت ان الإفطار عزيمة، وذلك بوجوه أربعة:
الأول: وجوب الصيام في العدة، آية لزوم الإفطار
إن معنى قوله سبحانه[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]فعدة من أيام أخر) أي «فعليه صيام عدة أيام أخر» أو «يلزمه صيام تلك الأيام»، وهذا هو الظاهر من أكثر المفسرين حيث يذكرون بعد قوله سبحانه [وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]فعدة من أيام أخر) قولهم: عليه صوم أيام أخر وعلى ذلك فالمتبادر من الآية هو انه يلزمه صيام تلك الأيام ، أو على ذمته صيامها، هذا من جانب
ومن جانب آخر: انه إذا وجب صيام تلك الأيام مطلقا، يكون الإفطار في شهر رمضان واجبا، وإلا فلو جاز صومه، لما وجب صيام تلك الأيام ( أيام أخر) على وجه الإطلاق فإيجاب صيامها كذلك، آية وجوب الإفطار في شهر رمضان
الثاني: التقابل بين الجملتين يدل على حرمة الصوم
إذا كانت في الكلام جملتان متقابلتان فإبهام إحداهما يرتفع بظهور الأخرى، وهذا مما لا سترة عليه، وعلى ضوء هذا نرفع إبهام قوله[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]أو على سفر)بالجملة الأخرى التي تقابله فنقول:قال سبحانه في من شهد الشهر[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ثم قال في من لم يشهد الشهر[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]فمن كان أو على سفر فعدة من أيام أخر) فإذا كان معنى الجملة الأولى أن الشاهد يصوم، يكون معنى الجملة الثانية بحكم التقابل ان المسافر لا يصوم فإذا كان الأمر في الجملة الأولى ظاهرا في الوجوب يكون النهي في الثانية ظاهرا في التحريم وقد روى عبيد بن زرارة، عن الإمام الصادق قال: قلت له : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ، قال:«ما أبينها:من شهد الشهر فليصمه ومن سافر فلا يصمه»
الثالث: المكتوب عليهما من أول الأمر هو صيام العدة إن ظاهر قوله سبحانه: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)هو أن المكتوب على الصنفين من أول الأمر هو الصيام في أيام أخر، فإذا كان الصيام واجبا على عامة المكلفين وكان المكتوب عليهم من أول الأمر هو الصيام في أيام أخر، فصيامهم في شهر رمضان يكون بدعة وتشريعا محرما، لاتفاق الأمة على عدم وجوب صومين طول السنة "
وما قاله السبحانى هنا صحيح وهو حرمة صوم المسافر والمريض بأى حال من الأحوال لأن نصوص القرآن واضحة لا لبس فيها ومن ثم المسافر الذى يصوم فى السفر مذنب عليه أن يستغفر الله لذنبه وقد نقل السبحانى ما يؤيد ما ذهب إليه من الحرمة من كتب الفريقين فقال:
"كلمات بعض المفسرين تدعم موقفنا:
إن لفيفا من المفسرين عند تفسير الآية حرفيا فسروا الآية على غرار ما ذكرنا، لكن عندما وصلوا إلى بيان حكم الإفطار من العزيمة والرخصة، صدهم فتوى إمامهم عن الإصحار بالحقيقة يقول الطبري: فمن كان منكم مريضا ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر فعدة من أيام أخر(يقول) فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر، يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره فظاهر قوله: «فعليه صوم عدة أيام» أي يلزم عليهما صوم تلك العدة، ومع لزوم القضاء مطلقا كيف يكون مخيرا بين الإفطار والصيام؟!
قال ابن كثير[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]فمن كان منكم مريضا أوعلى سفر فعدة من أيام أخر) أي المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر، لما في ذلك من المشقة عليهما، بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر وفي الوقت نفسه هو يقول بعد صفحة: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر فأين قوله: «لا يصومان في حال المرض والسفر» من قوله: ويرخص فيه للمريض والمسافر؟!
فالتعبير الأول تعبير عن ظهور الآية جرى على قلمه بصورة عفوية من دون أن يلتفت إلى مذهب إمامه، والجملة الثانية صدرت منه غفلة عما ذكره لدعم رأي إمام مذهبه تقدير «فافطر» لتطبيق الآية على المذهب ثم إن بعض المفسرين لما أدرك ظهور الآية في لزوم الإفطار وصيام أيام أخر مكان الأيام التي أفطر فيها، حاول أن يطبق الآية على مذهب الترخيص فقدر بعد قوله: «أو على سفر» لفظة «فأفطر» وقال: «فأفطر» فعدة من أيام أخر، وكأن الصيام كتب عليهم أيضا في شهر رمضان لكن لهم الخيار، فإذا أفطروا يجب عليهم صيام العدة وإن لم يفطروا فلا، وليس هذا إلا لغاية تطبيق الآية على المذهب دون تفسير الآية برأسها، وها نحن نذكر نماذج من كلماتهم
1 إن الإمام الرازي ممن ذكر دليل القائل بكون الإفطار عزيمة لا رخصة ومع ذلك اختار المذهب الآخر بحجة أن في الآية تقديرا أعني: «فافطر»، أو أن القضاء يجب بالإفطار لا بالمرض والسفر، يقول:
ذهب قوم من علماء الصحابة إلى أنه يجب على المريض والمسافر أن يفطر أو يصوم عدة من أيام أخر وهو قول ابن عباس وابن عمر وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الإفطار رخصة، فإن شاء أفطر وإن شاء صام
احتج الجمهور بوجوه:
الأول: أن في الآية إضمارا، لأن التقدير: فافطر فعدة من أيام أخر
الثاني: ما ذكره الواحدي في كتاب البسيط، قال: القضاء إنما يجب بالإفطار لا بالمرض والسفر
الثالث: ما رواه ابن داود في سننه عن هشام أن حمزة الأسلمي سأل النبي (ص) وقال: يا رسول الله هل أصوم على السفر؟ فقال (ص)ـ: صم إن شئت وأفطر إن شئت
يلاحظ على الوجه الأول: ان الإضمار على خلاف الظاهر ولا دليل على تقديره سوى تطبيق الآية على المذهب الفقهي وعلى الوجه الثاني: فهو ادعاء بلا دليل، وظاهر الآية والروايات التي ستوافيك ان السفر لا يجتمع مع الصوم سواء أفطر أو لا
وأما الوجه الثالث: فسيوافيك حال الرواية، فانتظر
2 قال صاحب المنار في تطبيق الآية على فتوى مذهب الجمهور : (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) أي من كان كذلك «فافطر» فعليه صيام عدة من أيام أخر غير تلك الأيام المعدودات، فالواجب عليه القضاء إذا أفطر بعدد الأيام التي لم يصمها
أقول: ما ساق صاحب المنار إلى تقدير قوله«فافطر» أو قوله:«إذا أفطر» إلا وقوفه على دلالة الآية على لزوم الإفطار وان الواجب عليه هو صوم عدة أيام أخر، فحاول بتقدير «إذا أفطر» أن يصرف الآية عن ظهورها ويجعلها ظاهرة في التخيير بين صيام رمضان وصيام عدة أيام أخر والعجب انه يصرح في موضع آخر من كلامه بأنه
«تأويل»، ومعنى كلامه عندئذ انه صرف للآية عن ظاهرها بلا دليل
يقول: اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة: لا يجزي الصوم عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر، لظاهر قوله تعالى: (فعدة من أيام أخر) ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة، وتأوله الجمهور بأن التقدير : فأفطر فعدة ولا ينقضي تعجبي منه، حيث إنه يصفه بأنه تأويل و مع ذلك يصر على صحة فتوى الجمهور، ومع أنه يندد في ثنايا تفسيره بجملة من المقلدين لأئمة مذاهبهم حيث يؤولون ظواهر الآية تطبيقا لها لفتوى مذهب إمامهم، ويقول في مسألة الطلاق ثلاثا التي اختار فيها تبعا لظاهر القرآن بأنه لايقع إلا مرة واحدة : ليس المراد مجادلة المقلدين أو إرجاع القضاة والمفتين عن مذاهبهم فان أكثرهم يطلع على هذه النصوص في كتب الحديث وغيرها ولا يبالي بها، لأن العمل عندهم على أقوال كتبهم دون كتاب الله وسنة رسوله وقد رد غير واحد من علماء الإمامية على من قدر «فأفطر» بغية إثبات التخيير
يقول الشيخ الطوسي: وفي هذه الآية دلالة على أن المسافر والمريض يجب عليهما الإفطار، لأنه تعالى أوجب عليهما القضاء مطلقا، وكل من أوجب عليه القضاء بنفس السفر والمرض، أوجب الإفطار فان قدروا في الآية «فأفطر» كان ذلك على خلاف الآية وبوجوب الإفطار في السفر قال عمر بن الخطاب (وقد ذكر أسماء عدة من الصحابة والتابعين القائلين بوجوب الإفطار الذين ذكرنا أسماءهم في صدر البحث) يقول العلامة الطباطبائي: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)«الفاء» للتفريع، والجملة متفرعة على قوله:«كتب» وقوله:«معدودات» أي أن الصيام مكتوب مفروض عليهم فيها ثم يقول: وقد قدر القائلون بالرخصة في الآية تقديرا فقالوا: إن التقدير فمن كان مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر ويرد عليه أولا: أن التقدير كما صرحوا به خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بقرينة، ولا قرينة من نفس الكلام عليه وثانيا: إن الكلام على تقدير تسليم التقدير لا يدل على الرخصة، فان المقام كما ذكروه مقام تشريع وغاية ما يدل عليه قولنا: «فمن كان مريضا أو على سفر فافطر» هو أن الإفطار لا يقع معصية، بل جائزا بالجواز بالمعنى الأعم من الوجوب والاستحباب والإباحة، وأما كونه جائزا بالمعنى الأخص فلا دليل عليه من الكلام ألبتة، بل
الدليل على خلافه، فان بناء الكلام على عدم بيان ما يجب بيانه في مقام التشريع لا يليق بالمشرع الحكيم وهو ظاهر
الرابع: ذكر المريض و المسافر في سياق واحد
إن الآية ذكرت المريض والمسافر في سياق واحد وحكم عليهما بحكم واحد وقال[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]فعدة من أيام أخر) فهل الرخصة في حق المسافر فقط، أو تعم المسافر والمريض؟فالأول يستلزم التفكيك، فان ظاهر الآية ان الصنفين في الحكم على غرار واحد لا يختلفان، فالحكم بجواز الإفطار في المسافر دون المريض لا يناسب ظاهر الآية وأما الثاني فهل يصح لفقيه أن يفتي بالترخيص في المريض إذا كان الصوم ضارا أو شاقا عليه؟! فان الإضرار بالنفس حرام في الشريعة المقدسة كما أن الإحراج في امتثال الفرائض ليس مكتوبا ولا مجعولا في الشرع، قال سبحانه: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)
إلى هنا تبين حكم المسافر والمريض، وإليك حكم الصنف الرابع
4 المطيق:
هذا هو الصنف الرابع الذي يبين سبحانه حكمه بقوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) والمراد هو الشيخ الكبير والشيخة الكبيرة اللذين لا يستطيعان أن يصوما أو لا يستطيعان إلا بمشقة كبيرة، والظاهر هو الثاني، لأن الإطاقة في اللغة أدنى درجات المكنة والقدرة على الشيء، فلا تقول العرب أطاق إلا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف بحيث يتحمل به مشقة كثيرة وعلى كل تقدير فالواجب عليه فدية طعام، وقد اختلفوا في مقدار الفدية على نحو مذكور في الفقه، فمنهم من قال: نصف صاع وهم أهل الرأي، وقال الشافعي: مد عن كل يوم، وهو المذهب المنصور عند الإمامية لكن الاكتفاء بهذا المقدار أمر جائز، غير ان من قدر على الزائد من هذا المقدار فهو خير، كما يقول سبحانه: (فمن تطوع خيرا فهو خير له) أي أطعم أكثر من مسكين فهو خير ثم إن هنا تفسيرين آخرين للتطوع:
1 الجملة ناظرة إلى المطيق والمقصود من جمع بين الصوم والصدقة فهو خير يلاحظ عليه بأنه بعيد عن ظاهر الآية، فان المفروض ان الشيخ لا يطيق الصوم إلا ببذل عامة جهده وطاقته فهل يستحب له الجمع بين الصوم والصدقة؟!
أضف إلى ذلك ان المستطيع يجب عليه الصوم وحده ولا يستحب له الفدية ولكن الشيخ الكبير يستحب له مع الصوم، الفدية!!
2 الجملة ناظرة إلى أصحاب الأعذار، أعني: المريض والمسافر، والمقصود: إن زادا على تلك الأيام المعدودات فهو خير له، لأن فائدته وثوابه له، و«الفاء» في قوله: (فمن تطوع) يدل على هذا، لأنها تفريع على حصر الفرضية في الأيام المعدودات
يلاحظ عليه بأنه كيف تكون الجملة ناظرة إلى أصحاب الأعذار مع توسط حكم الصنف الرابع بينهما حيث قال: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ، (فمن تطوع خير فهو خير له)
والظاهر انه يرجع إلى الصنف الرابع، والجملة تفريع على حصر الفرض في طعام مسكين، والمقصود: فمن تطوع بزيادة إطعام المسكين فهو خير له"
الحقيقة أن الكلام فى الصنف الرابع خاطىء فالآية تتحدث عن أمر مخالف وهو عقوبة المفطر عمدا وهو يقدر على الصوم دون تحديد كونه شابا أو شيخا ذكرا أو أنثى فالمطيق وهو القادر على الصوم عقوبته الثانية بعد إكمال العدة هو إطعام مسكين عن كل يوم بينما العدة هى على المسافر والمريض فقط لأنهما أصحاب أعذار رخص الله لهما فى الفطر ولم يرخص للمطيق ومن ثم لا يوجد أصناف أربعة كما قال السبحانى وإنما هم ثلاثة أحوال مطيق ومريض ومسافر
ثم حدثنا السبحانى عن كون الصوم خير فى الآية فقال:
"إلى هنا تم حكم الأصناف الأربعة
بقي الكلام في تفسير قوله سبحانه(وان تصوموا خير لكم) فنقول:من هو المخاطب في قوله: (وان تصوموا خير لكم)؟ثم إنه سبحانه بعدما بين أحكام الأصناف الأربعة خاطب عامة المؤمنين مرة أخرى بقوله[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) وهذا الخطاب على غرار الخطاب السابق، أعني قوله (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) والفرق بين الخطابين أن الخطاب السابق خطاب إجمالي ودعوة إلى الصوم والخطاب اللاحق خطاب بعد تفصيل أحكام الأصناف الأربعة، فتكون النتيجة وان تصوموا أيها المكلفون على النحو المذكور في الآية خير لكم، أي: يصوم الشاهد، ويفطر المريض والمسافر ويصوم في أيام أخر ويفدي المطيق وأما من يقول بالرخصة في المريض والمسافر أو في خصوص المسافر يتخذ ذلك ذريعة للرخصة ويقول «إن الخطاب فيها لأهل الرخص، وان الصيام في رمضان خير لهم من الترخص بالإفطار»
يلاحظ عليه بأن التفسير نابع من محاولة إخضاع الآية على المذهب الفقهي، وهو التخيير بين الصوم والإفطار، ولكنه غير تام لوجهين:
1 ان صرف الخطاب العام إلى الصنف الخاص، تفسير بلا دليل ومن شعب التفسير بالرأي
2 لو كان الخطاب لأهل الرخص كان اللازم أن يقول: وان يصوم المسافر خير من الإفطار ويبين الحكم باللفظ الغائب، لا بالخطاب الحاضر بل الظاهر كما مر أنه تأكيد على امتثال الفريضة وأن الصوم خير، فله أثره الجميل في النفس فان التنزه عن الاسترسال في استيفاء اللذائذ الجسمانية، وكبح جماح الشهوات يورث التقوى والتجافي عن الاخلاد إلى الأرض ولغاية الإيضاح نقول إن الآية الثانية، تتشكل من أربع فقرات بعد بيان ان الواجب لا يتجاوز عن كونه أياما معدودات
الأولى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفرفعدة من أيام أخر)
الثانية: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)
الثالثة: ( فمن تطوع خيرا فهو خير له)
الرابعة: (وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)
وجاءت الفقرات الثلاث الأول بصيغة الغائب بخلاف الأخيرة فجاءت بصيغة الخطاب
وهذا دليل على أنه منقطع عن المقاطع الثلاثة وتأكيد للخطاب الأول بعد التفصيل أعني قوله سبحانه[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)
ثم إنه سبحانه ذكر في الآية الثالثة جملا ثلاثا:
أ (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وهو بيان لحكمة رفع الصيام عن الأصناف الثلاثة، أي أمروا بالإفطار لأجل اليسر ودفع العسر،من غير فرق بين المريض والمسافر ومن يشق عليه الصيام
ب (ولتكملوا العدة) وهو راجع إلى قضاء المريض والمسافر، أي أن الموضوع عنهما هو حكم الصيام في شهر رمضان، وأما القضاء بعدد الأيام المعدودات فلا
ج (ولتكبروا الله على ما هداكم لعلكم تشكرون) الجملة غاية أصل الصيام حيث إنه سبحانه يطلب من عباده، تكبيره في مقابل هدايتهم حتى يكونوا شاكرين لنعمه
هذا تفسير الآيات الثلاث حسب ما يوحيه ظاهرها "
لم يبين السبحانى بهذا الكلام معنى التطوع وكون الصوم خير فى الآية فالرجل أعاد تفسير الآية السابقة ولم يتعرض للمسألة التى طرحهاومعنى التطوع هو العمل الواجب وهو هنا الصوم ومن ثم فالمعنى فمن صام أفضل له فى الجزار وفسره بقوله وأن وأن تصوموا أفضل جزاء من الفطر وهذا معناه أن الصوم عليه ثواب وأما الفطر بلا عذر فعليه عقاب وكتابة سيئة
ثم تعرض السبحانى للروايات أى الأخبار عند الفريقين فقال:
"السنة وصوم شهر رمضان في السفر:
قد عرفت قضاء الكتاب في مورد الصوم في السفر وان الواجب هو الإفطار والقضاء في أيام أخر حسب ما أفطر، فلنرجع إلى السنة ولندرس الروايات الواردة، وسيوافيك أنها تعاضد القرآن الكريم ولا تخالفه قيد شعرة بشرط الإمعان في مضامينها وإسنادها، أما ما ورد عن طريق أئمة أهل البيت فهو متضافر لا يسعنا نقلها في المقام وإنما نتبرك بذكر بعضها:
1 روى الكليني بسنده عن الزهري، عن علي بن الحسين في حديث قال: «وأما صوم السفر والمرض فان العامة قد اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال آخرون: لا يصوم، وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر، وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فان الله عز وجل يقول: (فمن كان منكم مريضا أوعلى سفر فعدة من أيام أخر)ف هذا تفسير الصيام»
2 روى الكليني بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر قال: «سمى رسول الله (ص) ـقوما صاموا حين أفطر وقصر: عصاة، وقال: هم العصاة إلى يوم القيامة، وانا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا»
3 روى الكليني عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله قول الله عز جل (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ، قال: «ما أبينها: من شهد الشهر فليصمه، وإن سافر فلا يصمه»
4 روى الكليني عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله قال: سمعته يقول: قال رسول الله (ص) :«إن الله عز وجل تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والإفطار، أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة ان ترد عليه»
5 روى الكليني عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله قال: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر» وقال: «إن رسول الله (ص) خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة، فلما انتهى إلى كراع الغميم دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشرب وأفطر ثم أفطر الناس معه، وثم أناس على صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بآخر أمر رسول الله (ص)ـ»
هذا بعض ما روي عن أئمة أهل البيت ذكرناه ليكون نموذجا لما لم نذكر، واقتصرنا بالقليل من الكثير، ومن المعلوم أن أئمة أهل البيت أحد الثقلين اللذين تركهما الرسول بين الأمة لصيانتها عن الضلالة فلا يعادل قولهم قول الآخرين
ومن حسن الحظ أن روايات أهل السنة توافق ما روي عن أئمة أهل البيت ، ونذكر منها ما يلي:
1 أخرج الشيخان في صحيحيهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري، كان رسول الله في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟فقالوا: صائم فقال: ليس من البر الصوم في السفر وفي لفظ صحيح مسلم : ليس البر أن تصوموا في السفر
إن البر في مصطلح القرآن هو العمل الحسن الذي يقابله الإثم، يقول سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) فإذا لم يكن الصوم في السفر برا فهو إثم وحكم الإثم واضح وقوله (ص) وإن ورد فيمن وقع في حرج شديد، لكن النبي (ص) ضرب قاعدة كلية لمطلق الصائم في السفر، سواء أكان عليه حرج أم لا، بشهادة انه لو كان الموضوع هو الصوم الحرجي لكان عليه التركيز عليه ويقول ليس من البر الصوم الحرجي أو يستشهد بقوله سبحانه: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)
يقول ابن حزم: فإن قيل: إنما منع في مثل حال ذلك الرجل قلنا: هذا باطل لا يجوز، لأن تلك الحال محرم، البلوغ إليها باختيار المرء للصوم في الحضر كما هو في السفر، فتخصيص النبي (ص) بالمنع من الصيام في السفر إبطال لهذه الدعوى المفتراة عليه (ص) وواجب أخذ كلامه على عمومه
2 أخرج مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله (ص) خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام؟ فقال:«أولئك العصاة، أولئك العصاة» والمراد من العصيان هو مخالفة أمر رسول الله (ص) يقول سبحانه[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) والعجب ممن يريد احياء مذهب إمامه يحمل الحديث على أن أمره (ص) كان أمرا استحبابيا، لكنه بمعزل من الواقع، فأين الاستحباب من قوله: «أولئك العصاة، أولئك العصاة»؟!
3 أخرج ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله (ص) :«صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر»
ودلالة الحديث على كون الإفطار عزيمة واضحة، فان الإفطار في السفر إذا كان إثما وحراما فيكون النازل منزلته أعني: الصيام في نفس هذا الشهر إثما وحراما
4 أخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك، عن رجل من بني عبد الأشهل قال: أغارت علينا خيل رسول الله (ص) فأتيت رسول الله (ص) وهو يتغدى، فقال: «ادن فكل»، قلت: إني صائم قال: «اجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام، إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع، الصوم أو الصيام» والله لقد قالهما النبي (ص) كلتاهما أو إحداهما، فيا لهف نفسي فهلا كنت طعمت من طعام رسول الله (ص)
5 روى أبو داود ان دحية بن خليفة خرج من قرية من دمشق إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه أناس وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن اني أراه، ان قوما رغبوا عن هدى رسول الله (ص) يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك
هذا بعض ما يستدل به على كون الإفطار عزيمة، وقد تركنا البعض الآخر لما استوفينا البحث في نقل الروايات الواردة في الصحاح والسنن في كتابنا«البدعة»، فمن أراد التبسط فليرجع إليه
ما اتخذ ذريعة لجواز الصوم في السفر
إن هنا روايات يتمسك بها على أن الإفطار رخصة وان المكلف مخير بينه و بين الصيام وقبل الخوض في المقام نلفت نظر القارئ إلى أمور ثلاثة يظهر بالإمعان فيها حال بعض ما روي في المقام
1 ان البحث مركز على حكم صيام شهر رمضان في السفر، وان الإفطار عزيمة أو رخصة واما صيام غيره في السفر فخارج عن موضوع البحث2 ان النبي (ص) أمر بالإفطار في عام الفتح(السنة الثامنة من الهجرة) وكان الحكم قبله على الجواز، فلو دل حديث عليه فإنما يصح الاستدلال به إذا ورد بعد عام الفتح، وإلا فالجواز قبل الفتح ليس موردا للنقاش
3 لو افترضنا دلالة الروايات على التخيير فتقع المعارضة بين الآمرة بالإفطار والحاكمة على التخيير، فلابد من الرجوع إلى المرجحات فما وافق الكتاب فهو الحجة دونما خالف
وعلى ضوء هذه الأمور ندرس الروايات المجوزة ونقول: إن الروايات المجوزة على أصناف:
أ ما ليس صريحا في شهر رمضان
1 أخرج البخاري عن عائشة ان حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي (ص) : أصوم في السفر وكان كثير الصيام فقال: «إن شئت فصم، وان شئت فافطر»
إن قوله: «وكان كثير السفر» يصلح أن يكون قرينة على أن السؤال كان عن الصوم المندوب، ولو لم يكن قرينة فالحديث ليس صريحا في صيام شهر رمضان، وما لم يكن كذلك لا يحتج به
2 ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي الدرداء قال: خرجنا مع النبي (ص) في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي (ص)وابن رواحة
يلاحظ عليه: بما ذكرناه في الرواية السابقة من عدم ظهور الرواية في صوم شهر رمضان، ومعه لا يحتج به، مع أنه يحتمل أن يكون صومه قبل عام الفتح
3 أخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي (ص) فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
يلاحظ عليه: بأنه ليس صريحا في شهر رمضان مضافا إلى سكوت الصحابة ليس حجة شرعية وليس بعد نبوة النبي (ص) نبوة تشريعية حتى يكون تقريرهم حجة
على أنه يحتمل أن يكون ذلك قبل يوم الفتح، وقد عرفت أن النبي (ص) ندد بمن لم يفطر في ذلك اليوم وقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة»
4 أخرج مسلم بسنده عن طاووس، عن ابن عباس، قال: لا تعب على من صام ولا على من أفطر، فقد صام رسول الله (ص) في السفر وأفطر وليس الحديث صريحا في شهر رمضان ولا ظاهرا فيه، على أنه يمكن أن يكون قبل الفتح، ومنه يظهر ما نقله مسلم في صحيحه وما ذكره ابن حزم في «المحلى» عن علي
ب: ما هو صريح في شهر رمضان وليس صريحا في ما بعد الفتح
5 أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نسافر مع رسول الله (ص) رمضان فما يعاب على الصائم صومه ولا على المفطر إفطاره
6 وأخرج عن أنس رضي الله عنه عن صوم رمضان في السفر فقال: سافرنا مع رسول الله (ص) في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
يلاحظ عليه: قد سافر رسول الله (ص) مرة في شهر رمضان في غزوة بدر، وأخرى في عام الفتح، فلعل الحديثين ناظران إلى سفره (ص) في شهر رمضان في غزوة بدر، وإلا فهو (ص) قد ندد بمن تخلف وصام في رمضان عام الفتح وسماهم عصاة، والحديثان شاهدان على أن ما دل على الجواز، فإنما يرجع إلى ما قبل الفتح لا فيه ولا بعده
ج: ما هو ضعيف سندا لا يحتج به وهناك روايات ضعاف لا يحتج بها، نذكر منها نموذجين:
1 ما روي عن العطريف بن هارون مرسلا: ان رجلين سافرا فصام أحدهما وأفطر الآخر، فذكرا ذلك لرسول الله (ص) قال: كلاكما أصاب
2 ما روي مرسلا عن أبي عياض: ان رسول الله (ص) أمر أن ينادى في الناس من شاء صام ومن شاء أفطر والرواية مرسلة لا يحتج بها كما أن ما رواه ابن حزم عن عائشة «انها كانت
تصوم في السفر وتتم الصلاة» اجتهاد منها لا يحتج به إذا صامت في شهر رمضان بعد الفتح وحاصل الكلام: ان هذه الروايات بين ما هي غير صريحة في كون الصيام كان صيام شهر رمضان أو صريح في كونه في شهر رمضان لكن ليس صريحا فيما بعد الفتح وبين ما هي ضعيفة سندا لا يحتج بها ولو افترضنا دلالة هذه الروايات على الرخصة فتقع المعارضة بينها و بين ما دلت بصراحتها على أن الإفطار عزيمة وعندئذ يقع التعارض بينهما فتصل النوبة إلى المرجحات، وأولى المرجحات هو موافقة الكتاب، ومن المعلوم ان الطائفة الأولى توافق الكتاب وقد عرفت دلالة الكتاب على أن الإفطار عزيمة"
ومما سبق نجد أن الروايات تقول أن الصوم فى السفر معصية أى ذنب ومن ثم يجب على المسافر الصائم الاستغفار من ذنب صومه فى رمضان وعليه أن يصومه مرة أخرى كعقاب له كما اوجب على المسافر والمريض
والسؤال من هو المسافر ؟
المسافر هو من يسافر من أول النهار لأخره والمراد أن يستغرق سفره كل النهار أو معظمه وأما ما يسمى حاليا سفرا تجاوزا كأن ينتقل لمدة ساعة أو اثنين أو ثلاثة ثم يعود لبلدة فى نفس النهار فهذا ليس سفرا وإنما انتقال عادى وكل سفر الموظفين والعمال حاليا من هذا النوع إلا السفر المستغرق للنهار أو معظمه فالسفر ليس بمسافة معينة وليس بوسيلة معينة وإنما بالوقت الذى يستغرقه