قراءة فى خطبة لماذا خلقت؟
استهل الخطيب خطبته بالمقدمة التقليدية فقال :
"الحمد لله الأحد الصمد، له النعم التي لا تعد ، والآلاء التي لا تحد .. يغفر الذنب ، ويستر العيب ، ويعفو عن السيئات ، وهو الرحيم الغفور .. وأشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد .. { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ."
وتحدث الخطيب عن انشغال الناس عن الهدف من خلقه وهو عبادته سبحانه وتعالى وانشغالهم بأهداف جزئية بطرق بعيده أيضا عن الأهداف الجزئية لعبادة الله فقال :
"عباد الله .. حينما يتأمل المسلم اليوم في أحوال نفسه وأحوال من حوله ، يدرك كم هو مشغول عن الغاية التي خلقه الله لأجلها ، تلك الغاية التي قل منا من يسأل نفسه هل سلك طريقها ، وهل توخى وسائلها ، وطمع في جوائزها .. ربما تفكرت طويلا يا رعاك الله في الغاية من عملك ، والغاية من تجارتك ، والغاية من دراستك ، ولا أشك أنك ستبحث عما يوصلك إلى تلك الغايات الشريفة ، ولكن كم مرة سألنا أنفسنا : لماذا خلقنا ؟ لماذا خلقنا الله على هذه الأرض ؟ هل خلقنا لنتمتع بشهواتها؟ بطعامها؟ بشرابها؟ بزينتها وزخرفها؟ ، ثم نموت وندفن في التراب وينتهي كل شيء؟ .."
أعاد الرجل السؤال فأجاب قائلا:
"لماذا خلقنا؟ إنه سؤال ربما نعيد بسببه كثيرا من حساباتنا الدنيوية والأخروية .
أما الجواب ، فاسمع الجواب من الله الذي تكفل به في قوله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .
إنها العبادة ، الغاية العظمى للحياة .
لكن الإنسان يميل بطبعه إلى المتع ، وتهفو نفسه إلى الدعة والراحة ، ويشتاق بتكوينه إلى ما يرضي دنياه .. هكذا خلق الإنسان ، عجولا تغره الثمار القريبة الفانية ، حتى تشغله عن الباقية لأنها بعيدة ."
وبين الرجل أن الغاية من عبادة الله ليست حرمان الإنسان من متاع الدنيا وإنما تمتعه من خلال طاعة أحكام الله فيها فقال:
"أيها المسلم ، إن الله تعالى لم يأمرك بالعبادة ليقطعك عن متعك ، ولا ليحرمك من شهواتك .. ولا لينغص عليك حياتك .. كلا .. بل أمرك بالعبادة لتعيش بها هانئا سعيدا ، مطمئن البال والضمير ، { فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى(123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا(125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى(126)وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } ."
وانتهى الرجل إلى أن نتيجة عبادة الله فى الدنيا هى الراحة فقال :
"ولهذا كانت العبادة راحة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان إذا تعب ونصب قال: ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) كما صح عند أحمد وأبي داود ."
والحقيقة أن العبادة نتيجتها فى الدنيا ليست راحة وإنما نتيجتها طمأنينة نفسية قلبية كما قال تعالى :
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
وقد تكون النتيجة تعب جسدى واحيانا نفسى كما فى الزلزلة النفسية التى قال الله فيها :
"وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا"
وتحدث عن اللجوء للصلاة للراحة فقال :
"وكان - صلى الله عليه وسلم - يلجأ إلى الصلاة حينما تشتد عليه الكروب ، وتزيد عليه الهموم ، فعن حذيفة رضي الله عنه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر صلى . رواه أحمد وأبو داود بسند حسن .
بل تأمل كيف كانت العبادة سلوته في أشد الخطوب خطورة ، فها هو - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ينظر إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا ، فاستقبل - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه ، مادا يديه مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) فأمده الله بالملائكة . رواه مسلم ."
والحق فالصلاة أو الدعاء ليست حلا للمشاكل التى تصادف المسلم وإنما حلها فى الأخذ بالأسباب التى أمر الله بها والمراد طاعة أحكام الله فهى الحل
وتحدث عن السبعة المظلولين فقال :
"أيها المسلم .. هل تأملت في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ إن من بينهم شاب نشأ في عبادة ربه ، فاستحق يوم تنكب الشمس على الخلائق فتلجمهم في عرقهم، أن يحظى بظل مميز، إنه ظل الله يوم لا ظل إلا ظله."
والخطأ فى الحديث أن الله يظل سبعة فقط فى ظله ويخالف هذا أن الله يظل المسلمين كلهم مصداق لقوله تعالى :
"إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا 000ودانية عليهم ظلالها "
وقال:
"وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين فى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود "
كما أن السبعة المذكورين هم سبع حالات قد تحدث كلها لإنسان واحد والجنة لا تدخلها الحالات وإنما أصحاب الحالات .
وتحدث عن حلاوة الإيمان وهى الطمأنينة فقال :
"فيالله العجب ، كم للعبادة من حلاوة في قلب المؤمن ، يجد فيها راحته وسلوته ، ويالله العجب ، كم لها من طمأنينة يجد فيها المهموم أنسه وبرد فؤاده ، {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} .. تطمئن القلوب ، فلا تشعر بغم .. ولا تحس بهم .. وتشعر أن مصائب الدنيا مهما بلغت عظمتها ، فإنها هينة أمام ذكر الله .. وسهلة تحت قدرة الله .. ما دمت مع الله تعبده ، وترضى بقضائه وقدره ، وتعلم أنه سبحانه لن يضيع صبرك ، ولن ينسى إيمانك ."
وتحدث عن التلذذ بالعبادة فقال :
"عباد الله .. أين الذين يستلذون بعبادة الله كما يستلذ غيرهم بالطعام والشراب .. أين من يستلذ بمناجاة ربه ، وبالصدقة في وجوه الخير ، وبالإحسان إلى الناس ، والتخلق بأحسن الأخلاق ، وبكل أنواع العبادة وأشكالها المشروعة .. يستلذ ويحس بطعم الحلاوة الإيمانية يسري في جوانحه ، ولو أجهد بدنه ، وترك الدنيا من خلفه ، وزهد في مناصبها ومتعها ، في سبيل أن يتذوق طعم العبادة لربه "
والحق أن تلذذ المسلم بالطعام والشراب وغيرهما هو من ضمن التلذذ بعبادة الله فالتلذذ ناتج من طاعة الله كما هو ناتج عند الكفار من العصيان
وتحدث عن صباحة وجوه القائمين بالليل فقال :
"قيل للحسن البصري : ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ قال : لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره .
وقال سفيان : ترى صاحب قيام الليل منكسر الطرف ، فرح القلب .
وكان الحسن بن صالح يقوم الليل هو وجاريته ، فباعها لقوم ، فلما صلت العشاء افتتحت الصلاة ، فما زالت تصلي إلى الفجر ، وكانت تقول لأهل الدار كل ساعة تمضي من الليل: يا أهل الدار قوموا ، يا أهل الدار قوموا ، يا أهل الدار صلوا ، فقالوا لها : نحن لا نقوم إلى الفجر ، فجاءت إلى الحسن بن صالح الذي باعها وقالت له : بعتني لقوم ينامون الليل كله، وأخاف أن أكسل من شهود نومهم ، فردها الحسن رحمة بها ، ووفاء بحقها )) .
وكان لبعض السلف عشرة مع العبادة ، حتى إنه ليذرف الدموع على فراقها إذا نزل به الموت .
لما نزل الموت بالعابدة أم الصهباء بكت ، فقيل لها: مم تبكين؟ فقالت: بكيت حينما تذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر .
بل كانوا يتهمون أنفسهم بالذنوب إذا ما أصابهم الكسل عن العبادة ، قال الثوري : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته .
وجاء رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد ، إني أبيت معافى ، وأحب قيام الليل ،وأعد طهوري ،فما بالي لا أقوم ؟ فقال: ذنوبك قيدتك .
أي إخواني : متى نشعر بالسعادة حينما نلقي بجباهنا على الأرض لله تعالى ، متى نعود أنفسنا أن نشتاق للقاء ربنا في صلاتنا وذكرنا ، متى تحلق قلوبنا في السماء طربا وفرحا حينما نبذل الصدقة السخية لا نبالي الفقر أو المسكنة ، ومتى نعود على صدورنا بالراحة حينما نخفض جناح الذل لوالدينا وأهلينا ؟"
والحكايات السابقة لا اصل لها فى الوحى وهو مخالفة للقرآن فقيام الليل لا يسبب صباحة الوجوه وإنما يسبب كأى عبادة الطمأنينة القلبية
وتحدث عن أن عبادة اللههى الطريق للفلاح والنصر والشفاء فقال :
"إنها العبادة عباد الله ، طريقنا إلى الفلاح والنصر والشفاء ، فهنيئا لنا سلوكها ، وتوخي طريقها ، لأنفسنا و أزواجنا وأولادنا ، فإن الله يقول : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين } ."
وتحدث الرجل عن شمولية العبادة لكل شىء فى حياتنا كالكل والشرب واللبس والنوم فقال :
"عباد الله .. إن من رحمة الله تعالى علينا أن جعل لنا من أمرنا كله عبادة نتقرب بها إليه ، ألسنا نأكل .. ألسنا نشرب .. ألسنا ننام .. ألسنا نسعى لطلب الرزق والمعيشة ، ألسنا نقوم على النفقة على الأهل والذرية .. كل هذه الأمور إذا سرنا فيها على منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - تحولت إلى عبادة نؤجر عليها ، بشرط الإخلاص لله تعالى .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك) رواه البخاري .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا ) رواه مسلم ."
فكل شىء يثاب عليه المسلم طالما أطاع الله فيه مهما ظن الآخرون أن ليس عليه ثواب
وتحدث عن الثواب المعد للعابد فقال :
"وإن مما يعينك أخي الكريم على العبادة أن تعلم ما أعده الله تعالى من جزاء عليها ، فهذا يعينك على رفع الهمة في المواصلة عليها ، فمن منا يتخيل كم أعده الله تعالى للمسلم من أجر في زيارة المريض على سبيل المثال ، اسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة ) رواه الترمذي وحسنه الألباني "
والحديث لأن الثواب فيه صلاة سبعون ألف ملك على زائر المريض بينما الثواب هو عشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
وأما صلاة الملائكة فهى للذين آمنوا جميعا وليس لزائر المريض منهم كما قال تعالى :
"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم"
وتحدث عن الوسطية فى العبادة فقال :
"هذا ، ولنحرص على التوسط في العبادة ، دون إفراط ولا تفريط ، كما هي سنته - صلى الله عليه وسلم - ، فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال من هذه ؟ قالت فلانة تذكر من صلاتها [ أي من كثرة صلاتها ] ، قال : مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه ) رواه البخاري .
ولنتذكر أخير أن علينا أن نعرف أننا ما خلقنا إلا لعبادة ربنا في كل أحوالنا ، فلنعبده ولنصطبر على عبادته ، فإن الله قال: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) "
والوسطية هى العبادة التى لا تضر أى طرف إلا الضرر الذى بينه الله فى بعض الأحكام كالقتال والطلاققراءة فى خطبة لماذا خلقت؟
استهل الخطيب خطبته بالمقدمة التقليدية فقال :
"الحمد لله الأحد الصمد، له النعم التي لا تعد ، والآلاء التي لا تحد .. يغفر الذنب ، ويستر العيب ، ويعفو عن السيئات ، وهو الرحيم الغفور .. وأشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد .. { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ."
وتحدث الخطيب عن انشغال الناس عن الهدف من خلقه وهو عبادته سبحانه وتعالى وانشغالهم بأهداف جزئية بطرق بعيده أيضا عن الأهداف الجزئية لعبادة الله فقال :
"عباد الله .. حينما يتأمل المسلم اليوم في أحوال نفسه وأحوال من حوله ، يدرك كم هو مشغول عن الغاية التي خلقه الله لأجلها ، تلك الغاية التي قل منا من يسأل نفسه هل سلك طريقها ، وهل توخى وسائلها ، وطمع في جوائزها .. ربما تفكرت طويلا يا رعاك الله في الغاية من عملك ، والغاية من تجارتك ، والغاية من دراستك ، ولا أشك أنك ستبحث عما يوصلك إلى تلك الغايات الشريفة ، ولكن كم مرة سألنا أنفسنا : لماذا خلقنا ؟ لماذا خلقنا الله على هذه الأرض ؟ هل خلقنا لنتمتع بشهواتها؟ بطعامها؟ بشرابها؟ بزينتها وزخرفها؟ ، ثم نموت وندفن في التراب وينتهي كل شيء؟ .."
أعاد الرجل السؤال فأجاب قائلا:
"لماذا خلقنا؟ إنه سؤال ربما نعيد بسببه كثيرا من حساباتنا الدنيوية والأخروية .
أما الجواب ، فاسمع الجواب من الله الذي تكفل به في قوله تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .
إنها العبادة ، الغاية العظمى للحياة .
لكن الإنسان يميل بطبعه إلى المتع ، وتهفو نفسه إلى الدعة والراحة ، ويشتاق بتكوينه إلى ما يرضي دنياه .. هكذا خلق الإنسان ، عجولا تغره الثمار القريبة الفانية ، حتى تشغله عن الباقية لأنها بعيدة ."
وبين الرجل أن الغاية من عبادة الله ليست حرمان الإنسان من متاع الدنيا وإنما تمتعه من خلال طاعة أحكام الله فيها فقال:
"أيها المسلم ، إن الله تعالى لم يأمرك بالعبادة ليقطعك عن متعك ، ولا ليحرمك من شهواتك .. ولا لينغص عليك حياتك .. كلا .. بل أمرك بالعبادة لتعيش بها هانئا سعيدا ، مطمئن البال والضمير ، { فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى(123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا(125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى(126)وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى } ."
وانتهى الرجل إلى أن نتيجة عبادة الله فى الدنيا هى الراحة فقال :
"ولهذا كانت العبادة راحة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان إذا تعب ونصب قال: ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) كما صح عند أحمد وأبي داود ."
والحقيقة أن العبادة نتيجتها فى الدنيا ليست راحة وإنما نتيجتها طمأنينة نفسية قلبية كما قال تعالى :
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
وقد تكون النتيجة تعب جسدى واحيانا نفسى كما فى الزلزلة النفسية التى قال الله فيها :
"وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا"
وتحدث عن اللجوء للصلاة للراحة فقال :
"وكان - صلى الله عليه وسلم - يلجأ إلى الصلاة حينما تشتد عليه الكروب ، وتزيد عليه الهموم ، فعن حذيفة رضي الله عنه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر صلى . رواه أحمد وأبو داود بسند حسن .
بل تأمل كيف كانت العبادة سلوته في أشد الخطوب خطورة ، فها هو - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ينظر إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا ، فاستقبل - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه ، مادا يديه مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) فأمده الله بالملائكة . رواه مسلم ."
والحق فالصلاة أو الدعاء ليست حلا للمشاكل التى تصادف المسلم وإنما حلها فى الأخذ بالأسباب التى أمر الله بها والمراد طاعة أحكام الله فهى الحل
وتحدث عن السبعة المظلولين فقال :
"أيها المسلم .. هل تأملت في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ إن من بينهم شاب نشأ في عبادة ربه ، فاستحق يوم تنكب الشمس على الخلائق فتلجمهم في عرقهم، أن يحظى بظل مميز، إنه ظل الله يوم لا ظل إلا ظله."
والخطأ فى الحديث أن الله يظل سبعة فقط فى ظله ويخالف هذا أن الله يظل المسلمين كلهم مصداق لقوله تعالى :
"إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا 000ودانية عليهم ظلالها "
وقال:
"وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين فى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود "
كما أن السبعة المذكورين هم سبع حالات قد تحدث كلها لإنسان واحد والجنة لا تدخلها الحالات وإنما أصحاب الحالات .
وتحدث عن حلاوة الإيمان وهى الطمأنينة فقال :
"فيالله العجب ، كم للعبادة من حلاوة في قلب المؤمن ، يجد فيها راحته وسلوته ، ويالله العجب ، كم لها من طمأنينة يجد فيها المهموم أنسه وبرد فؤاده ، {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} .. تطمئن القلوب ، فلا تشعر بغم .. ولا تحس بهم .. وتشعر أن مصائب الدنيا مهما بلغت عظمتها ، فإنها هينة أمام ذكر الله .. وسهلة تحت قدرة الله .. ما دمت مع الله تعبده ، وترضى بقضائه وقدره ، وتعلم أنه سبحانه لن يضيع صبرك ، ولن ينسى إيمانك ."
وتحدث عن التلذذ بالعبادة فقال :
"عباد الله .. أين الذين يستلذون بعبادة الله كما يستلذ غيرهم بالطعام والشراب .. أين من يستلذ بمناجاة ربه ، وبالصدقة في وجوه الخير ، وبالإحسان إلى الناس ، والتخلق بأحسن الأخلاق ، وبكل أنواع العبادة وأشكالها المشروعة .. يستلذ ويحس بطعم الحلاوة الإيمانية يسري في جوانحه ، ولو أجهد بدنه ، وترك الدنيا من خلفه ، وزهد في مناصبها ومتعها ، في سبيل أن يتذوق طعم العبادة لربه "
والحق أن تلذذ المسلم بالطعام والشراب وغيرهما هو من ضمن التلذذ بعبادة الله فالتلذذ ناتج من طاعة الله كما هو ناتج عند الكفار من العصيان
وتحدث عن صباحة وجوه القائمين بالليل فقال :
"قيل للحسن البصري : ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ قال : لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره .
وقال سفيان : ترى صاحب قيام الليل منكسر الطرف ، فرح القلب .
وكان الحسن بن صالح يقوم الليل هو وجاريته ، فباعها لقوم ، فلما صلت العشاء افتتحت الصلاة ، فما زالت تصلي إلى الفجر ، وكانت تقول لأهل الدار كل ساعة تمضي من الليل: يا أهل الدار قوموا ، يا أهل الدار قوموا ، يا أهل الدار صلوا ، فقالوا لها : نحن لا نقوم إلى الفجر ، فجاءت إلى الحسن بن صالح الذي باعها وقالت له : بعتني لقوم ينامون الليل كله، وأخاف أن أكسل من شهود نومهم ، فردها الحسن رحمة بها ، ووفاء بحقها )) .
وكان لبعض السلف عشرة مع العبادة ، حتى إنه ليذرف الدموع على فراقها إذا نزل به الموت .
لما نزل الموت بالعابدة أم الصهباء بكت ، فقيل لها: مم تبكين؟ فقالت: بكيت حينما تذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر .
بل كانوا يتهمون أنفسهم بالذنوب إذا ما أصابهم الكسل عن العبادة ، قال الثوري : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته .
وجاء رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد ، إني أبيت معافى ، وأحب قيام الليل ،وأعد طهوري ،فما بالي لا أقوم ؟ فقال: ذنوبك قيدتك .
أي إخواني : متى نشعر بالسعادة حينما نلقي بجباهنا على الأرض لله تعالى ، متى نعود أنفسنا أن نشتاق للقاء ربنا في صلاتنا وذكرنا ، متى تحلق قلوبنا في السماء طربا وفرحا حينما نبذل الصدقة السخية لا نبالي الفقر أو المسكنة ، ومتى نعود على صدورنا بالراحة حينما نخفض جناح الذل لوالدينا وأهلينا ؟"
والحكايات السابقة لا اصل لها فى الوحى وهو مخالفة للقرآن فقيام الليل لا يسبب صباحة الوجوه وإنما يسبب كأى عبادة الطمأنينة القلبية
وتحدث عن أن عبادة اللههى الطريق للفلاح والنصر والشفاء فقال :
"إنها العبادة عباد الله ، طريقنا إلى الفلاح والنصر والشفاء ، فهنيئا لنا سلوكها ، وتوخي طريقها ، لأنفسنا و أزواجنا وأولادنا ، فإن الله يقول : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين } ."
وتحدث الرجل عن شمولية العبادة لكل شىء فى حياتنا كالكل والشرب واللبس والنوم فقال :
"عباد الله .. إن من رحمة الله تعالى علينا أن جعل لنا من أمرنا كله عبادة نتقرب بها إليه ، ألسنا نأكل .. ألسنا نشرب .. ألسنا ننام .. ألسنا نسعى لطلب الرزق والمعيشة ، ألسنا نقوم على النفقة على الأهل والذرية .. كل هذه الأمور إذا سرنا فيها على منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - تحولت إلى عبادة نؤجر عليها ، بشرط الإخلاص لله تعالى .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك) رواه البخاري .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا ) رواه مسلم ."
فكل شىء يثاب عليه المسلم طالما أطاع الله فيه مهما ظن الآخرون أن ليس عليه ثواب
وتحدث عن الثواب المعد للعابد فقال :
"وإن مما يعينك أخي الكريم على العبادة أن تعلم ما أعده الله تعالى من جزاء عليها ، فهذا يعينك على رفع الهمة في المواصلة عليها ، فمن منا يتخيل كم أعده الله تعالى للمسلم من أجر في زيارة المريض على سبيل المثال ، اسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة ) رواه الترمذي وحسنه الألباني "
والحديث لأن الثواب فيه صلاة سبعون ألف ملك على زائر المريض بينما الثواب هو عشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
وأما صلاة الملائكة فهى للذين آمنوا جميعا وليس لزائر المريض منهم كما قال تعالى :
"الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم"
وتحدث عن الوسطية فى العبادة فقال :
"هذا ، ولنحرص على التوسط في العبادة ، دون إفراط ولا تفريط ، كما هي سنته - صلى الله عليه وسلم - ، فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة قال من هذه ؟ قالت فلانة تذكر من صلاتها [ أي من كثرة صلاتها ] ، قال : مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه ) رواه البخاري .
ولنتذكر أخير أن علينا أن نعرف أننا ما خلقنا إلا لعبادة ربنا في كل أحوالنا ، فلنعبده ولنصطبر على عبادته ، فإن الله قال: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) "
والوسطية هى العبادة التى لا تضر أى طرف إلا الضرر الذى بينه الله فى بعض الأحكام كالقتال والطلاق