رضا البطاوى
عدد المساهمات : 3279 نقاط : 9733 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 16/07/2011
| موضوع: نظرات فى خطبة الموت الأحد أبريل 23, 2023 7:30 am | |
| نظرات فى خطبة الموت الخطبة موضوعها الموت وقد حاولت الوصول لاسم الخطيب فلم أوفق ووجدت معظمها فى موقع اسمه على خطى الحبيب والناشر أبو عبد الرحمن والله أعلم بمن هو الخطيب وقد بدأت بمقدمة لم أحذفها ربما لأنى أعجبت بسجعها وهذه المقدمة منقولة من كتاب إحياء علوم الدين للغزالى وهى : "الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة ، فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمات اللحود ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب !!" وحذفت بقية المقدمة التقليدية وقد استهلها الخطيب بتذكير الله لنبيه (ص) بكونه والخلق جميعا ميتون فقال : "...اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه ، رفع الله له ذكره وشرح صدره وذكاه ربه على جميع خلقه ، ومع ذلك خاطبه ربه بقوله : { إنك ميت وإنهم ميتون } " ثم تحدث عن الهدف من خلق الإنس والجن وهو عيادة الله فقال : "أيها الخيار الكرام : لقد بين الله جل وعلا لنا الغاية التى من أجلها خلقنا فقال سبحانه وتعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } . بل وبين لنا حقيقة الدنيا التى جعلها محل اختبار لنا فقال سبحانه : { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء )) فالدنيا حقيرة عند الله أعطاها للمؤمن والكافر على السواء ، فلو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا قط شربة ماء واحدة ،" والخطأ وصف الدنيا بالحقارة والحديث الذى بنى عليه ذلك مخالف لكتاب الله فالله لا يصف خلقه بذلك لأنه أحسن الخلق فقال : "الذى أحسن كل شىء خلقه" ووصف الله بعضها بالطيبات فقال : " قل من حرم زينة التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق" وأما أن مخلوق يعدل أو لا يعدل عند الله شىء فهذا يتناقض مع أنه غنى عن الكل ومن ثم كل الخلق لا يمثلون عنده شىء وتحدث عن عدم الركون للدنيا فقال : "لذا كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يوصى أحبابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار الفانية لا محالة ، كما أوصى بذلك عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كما فى صحيح البخارى : (( كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) ، وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " . ورحم الله من قال : إن لله عبادا فطنا ... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحى وطنا جعلوها لجة واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا فالفطناء العقلاء هم الذين عرفوا حقيقة الدار ، فحرثوها وزرعوها ... وفى الآخرة حصدوها ." وتحدث عن أن الوحى ذم الدنيا فقال : "فالذم الوارد فى القرآن والسنة للدنيا لا يرجع إلى زمانها من ليل ونهار فلقد جعل الله الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ، والذم الوارد للدنيا فى الكتاب والسنة لا يرجع إلى مكانها ألا وهو الأرض ، إذ أن الله قد جعل الأرض لبنى آدم سكنا ومستقرا . والذم الوارد فى القرآن والسنة لا يرجع إلى ما أودعها الله عز وجل من خيرات ، فهذه الخيرات نعم الله على عباده وجميع خلقه . إنما الذم الوارد فى القرآن والسنة يرجع إلى كل معصية ترتكب فى حق ربنا جل وعلا ." والرجل هنا يناقض نفسه فالله لم يذم الدنيا أبدا وإنما ذم من يرتكبون المعاصى فيها كما قال الرجل فى أخر الفقرة وكل ألأقول " إنما الدنيا بعب ولهو " إنما هى تعبير عن وجهة نظر الكفار لأن الله حكم بأنه خلق الكون الحالى وهو الدنيا للحق فقال: " وما خلقنا والسموات والأرض وما بينهما إلا بالحق" وحاول الرجل أن يقرر السابق فقال : "إذا لابد وحتما من تأصيل هذا الفهم الدقيق لا سيما لإخواننا الدعاة وطلاب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد فى هذه الحياة الدنيا ، فنحن لا نريد أن نقنت أحدا من هذه الدنيا ، ولا نريد أن نثبت لعامل فى هذه الدنيا ولو كان فى الحلال أنه قد تجاوز عن طريق الأنبياء والصالحين والأولياء ... كلا ..!كلا ..!! بل الدنيا مزرعة للآخرة . تدبر معى قول على وهو يقول : " الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن أخذ منها ، الدنيا مهبط وحى الأنبياء ومصلى أنبياء الله ومتجر أولياء الله ". فالدنيا مزرعة للآخرة فتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أنس قال النبى - صلى الله عليه وسلم - : (( ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة )) إذا لابد من هذا التأصيل والفهم العميق لحقيقة الدنيا ، لننطلق من هذه الدار الفانية إلى دار تجمع بين سلامة الأبدان والأديان .. دار القرار . فلابد قبل العبور إلى دار القرار من المرور من دار الفناء ، فالدنيا دار ممر والآخرة هى دار المقر ، الدنيا مركب عبور لا منزل حبور ، الدنيا دار فناء لا دار بقاء ، لابد من وعى هذه الحقيقة التى لا مراء فيها ، لنزرع هنا بذورا ، لنجنى هنالك ثمارا . فاعلم أيها الحبيب هذه الحقائق جيدا ، وكن على يقين جازم بأن الحياة فى هذا الدنيا موقوتة محدودة بأجل ، ثم تأتى نهايتها حتما لابد ، فيموت الصالحون .. ويموت الطالحون .. يموت المجاهدون .. ويموت القاعدون .. يموت المستعلون بالعقيدة .. ويموت المستذلون للعبيد .. يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل ، والجبناء الحريصون على الحياة بأى ثمن .." إذا الدنيا ليست مذمومة وإنما هى دار اختبار أى ممر والمذموم هو من عصى الله فيها وتحدث عن حقيقة ثابتة لا يمكن لأحد أن يجادل فيها وهى موت الخلق فقال : " الكل يموت قال الله جل وعلا : { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } . فلابد أن تستقر هذه الحقيقة فى القلب والعقل معا ، إنها الحقيقة التى تعلن بوضوح تام على مدى الزمان والمكان فى أذن كل سامع وعقل كل مفكر أنه لا بقاء إلا للملك الحى الذى لا يموت ، إنها الحقيقة التى تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة العبودية والذل لقاهر السموات والأرض !! إنها الحقيقة التى شرب كأسها تباعا الأنبياء والمرسلون بل والعصاة والطائعون !! إنها الحقيقة التى تذكرنا كل لحظة من لحظات الزمن بقول الحى الذى لا يموت : { لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه } أيها الحبيب تذكر هذه الحقيقة ولا تتغافل عنها إذ أن النبى أمرنا أن نكثر من ذكرها كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى والنسائى والبيهقى والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أكثروا من ذكر هادم اللذات ( الموت ) )) " والخطأ فى الحديث هو الأمر بالإكثار من ذكر الموت ويتعارض هذا مع أن الله نهى الرسول عن الحزن فقال فى أكثر من سورة "ولا تحزن "وذكر هازم اللذات جالب للحزن وهذا يعنى وجوب نسيانه وتحدث عما سماه سكرات الموت فقال : "إنها الحقيقة التى سماها الله فى قرآنه بالحق فقال جل وعلا : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } [ لا إله إلا الله ... الله أكبر ... الله أكبر إن للموت لسكرات ... هل علمت إن هذه الكلمات قالها حبيب رب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ؟ روى البخارى عن عائشة رضى الله عنها قالت : مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حاقنتى وذاقنتى وكان بين يديه ركوة ( علبة ) بها ماء فكان يمد يده فى داخل الماء ويمسح وجهه بأبى هو وأمى ويقول : (( لا إله إلا الله إن للموت لسكرات )) هكذا يقول حبيب رب الأرض والسموات إن للموت لسكرات !! حبيب الرحمن يذوق سكرة الموت ، فما بالنا نحن ؟!! وفى رواية الترمذى كان الحبيب - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( إن للموت لسكرات وإن للموت لغمرات )) . وفى رواية كان - صلى الله عليه وسلم - يدعوا الله ويقول : (( اللهم أعنى على سكرات الموت )) . { وجاءت سكرة الموت بالحق } " الغريب فيما سبق من أحاديث هو تحدث القرآن عن سكرة واحدة للموت والأحاديث تتحدث عن سكرات ومن المعروف أن الإنسان يموت مرة واحدة ولكنه لو مات مرات متعددة لوجب أن تكون سكرات ولكنها سكرة واحدة وكالعادة لابد أن يستعين الخطباء بحكايات لا أصل لها وهنا استعان بما لم يرد فى الوحى فقال : "وما أدراك ما السكرات ..! وما أدراك ما الكربات ..! فى هذه اللحظات يزداد الهم والكرب ، فى لحظات السكرات إذا نمت يا ابن آدم على فراش الموت ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون أن يرى غيرك ، رأيت شيطانا جلس عند رأسك يريد الشيطان أن يضلك عن كلمة الإخلاص" لا إله إلا الله "، يريد الشيطان أن يصدك عنها ، يقول لك : مت يهوديا فإنه خير الأديان ، يقول لك : مت نصرانيا فإنه خير الأديان . واستدل أهل العلم على ذلك بصدر حديث صحيح رواه الإمام مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إن الشيطان يحضر كل شئ لابن آدم ..)) . بل وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية طيب الله ثراه عن مسألة عرض الأديان على ابن آدم فى فراش الموت ، فقال فى مجموع الفتاوى : "من الناس من تعرض عليه الأديان ومنهم من لا يعرض عليه شئ قبل موته ، ثم قال : ولكنها من الفتن التى أمرنا النبى أن نستعيذ منها فى قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال )) فمن فتن الموت أن يأتيك الشيطان ليصدك عن لا إله إلا الله ، ليصدك عن كلمة التوحيد ، هذه من الكربات ، هذه من أشد السكرات على ابن آدم ولا حول ولا قوة إلا بالله . هل علمت أخى فى الله أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل حينما نام على فراش الموت ذهبت إليه الشياطين لتنادى عليه بهذه الكلمات ، قال عبد الله ولده : " حضرت وفاة أبى فنظرت إليه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويتكلم ويقول : لا بعد ..!! لا بعد ..!! . فلما أفاق فى صحوة بين سكرات الموت وكرباته ، قال له ولده عبد الله يا أبتى ماذا تقول ؟! تقول لا بعد ، لا بعد ..!! ما هذا ؟!! أتدرى ماذا قال إمام أهل السنة ؟؟ قال لولده : يا بنى شيطان جالس عند رأسى عاض على أنامله يقول لى: يا أحمد لو فتنى اليوم ما أدركتك بعد اليوم وأنا أقول له : لا بعد ، لا بعد حتى أموت على لا إله إلا الله . فإذا كنت حقا من المؤمنين الصادقين .. من الموحدين المخلصين وجاءتك الشياطين ثبتك رب العالمين وأنزل إليك ملائكة التثبيت ، كما فى حديث البراء بن عازب الصحيح وسأذكر الحديث بتفصيله لاحقا إن شاء رب العالمين ، إلا أن محل الشاهد فيه الآن أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أخبر : (( أن المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون من المؤمن مد البصر حتى يأتى ملك الموت فيجلس عند رأسه وينادى على روحه الطيبة وهو يقول : أيتها الروح الطيبة اخرجى حميدة وابشرى بروح وريحان ورب راض عنك غير غضبان ، فتخرج روح المؤمن سهلة سلسة كما يسيل الماء من فى السقاء فلا تدعها الملائكة فى يد ملك الموت طرفة عين ، ثم ترقى بها إلى الله جل وعلا .. )) " كل هذا الكلام السابق ناتج من حكايات ترويها أحاديث تعارض القرآن فالمسلم لا يأتيه شيطان ويعرض عليه شىء وإنما الله يقول له كما قال: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى" والملائكة تستقبله فى السماء فتطلب منه دخول الجنة كما قال تعالى: الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" وأما حديث نزول الملائكة الأرض السابق فيتناقض مع أن الملائكة لا تنزل الأرض لخوفها وهو عدم اطمئنانها كما قال تعالى : "قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا" ومن ثم كل ما بناه الخطيب باطل على تلك ألأحاديث التى لا تصح نسبتها للنبى(ص) وتحدث عن التثبيت من خلال الآية الكريمة ولكن من خلال الأحاديث الكاذبة المناقضة فقال : "هكذا أيها الأحبة .. {يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } ولقد سجل الله هذه البشارة للموحدين فى قرآنه العظيم فقال تعالى: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم } وقال تعالى : { يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال ابن عباس : القول الثابت هو لا إله إلا الله فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ." الآية لا تتحدث عن الثبات عند الموت وإنما تتحدث عن الثبات فى الحياة الدنيا ككل وما يثبت المسلم هو اتباعه وهو طاعته لحكم الله ولا يوجد لفظ فيها بدل على الموت وأما الثبات فى الآخرة فمعناه أن المسلم يظل على إسلامه فلا يعارض أى شىء مما يصنعه الله كما يفعل الكفار عندما يكذبون على الله ويحلفون كذب كما فى القول " والله ربنا ما كنا مشركين" وكما يتمنون الافتداء من العذاب بدخول أهليهم النار كما قال تعالى: " يبصرونهم يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التى تؤويه ومن فى الأرض جميعا ثم ينجيه" وعاد للحديث عن السكرة فقال : "{ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } والحق أنك تموت والله حى لا يموت ، الحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب . { وجاءت سكرة الموت بالحق } والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران { ذلك ما كنت منه تحيد } ذلك ما كنت منه تهرب ." بالطبع كون النعيم أو العذاب فى الأرض فى القبر مخالف لوجود الجنة فى السماء كما قال تعالى : " عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى" فالجنة والنار الموعودتان حاليا فى السماء كما قال تعالى : "وفى السماء لازقكم وما توعدون " فقد وعد الله المؤمنين الجنة والكفار والمنافقين النار فقال : "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات" وقال : "وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها" وقال : "تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض ، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ ، ثم ماذا أيها القوى الفتى ؟! ثم ماذا أيها العبقرى الذكى ؟! ثم ماذا أيها الوزير والأمير ؟! ثم ماذا أيها الكبير والصغير ؟! ثم ماذا أيها الغنى والفقير؟! اسمع يا هذا وذاك : كل باك فسيبكى ... وكل ناع فسينعى كل مذكور سينسى ... ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى أيا من يدع الفهم ... إلى كم يا أخى الوهم تعب الذنب والذنب ... وتخطئ الخطأ الجم أما بان لك العيب؟ ... أما أنذرك الشيب وما فى نصحه ريب أما أسمعك الصوت ... أما نادى بك الموت أما تخشى من الفوت ... فتحتاط وتهتم فكم تسير فى الهوى ... وتختال من الزهو كأنى بك تنحط ... إلى اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهط ... إلى أضيق من سم هناك الجسم ممدود ... ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ... فيمسى العظم قد رم فزود نفسك الخير ... ودع ما يعقب الضير وهيأ مركب السير ... وخاف من لجة اليم بذا أوصيك يا صاح ... وقد بحتك من باح فطوبى لفتى راح ... بقرآن الرب يهتم وبآداب محمد يأتم" وتحدث عن كون الموت قدر محتوم لا يمنعه أى مانع فقال : "وصدق الله عز وجل إذ يقول : { كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق } { كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق } إذا بلغت الروح الترقوة { وقيل من راق } من يرقيه ؟!! من يرقى بروحه ؟!! ملائكة الرحمة ؟ أم ملائكة العذاب ؟ . من يبذل له الرقية ؟ من يبذل له الطب والعلاج ؟! فهو من هو ؟!! صاحب الجاه والسلطان ! صاحب الأموال والأطيان ! انتقل فى طيارة خاصة إلى أكبر مستشفى فى العالم ، التف حوله أكبر الأطباء ، هذا متخصص فى جراحة القلب والبطن وهذا متخصص فى جراحة المخ والأعصاب ، وهذا متخصص فى كذا ، وذاك متخصص فى كذا !! التف حوله الأطباء يريدون شيئا وملك الملوك أراد شيئا آخر . قال تعالى : { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } والتف حوله الأطباء مرة أخرى ،كل يبذل له العلاج والرقية !! ولكن حاروا وداروا !! اصفر وجهه ، شحب لونه ، بردت أطرافه ، تجعد جلده ، بدأ يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه !! فينظر فى لحظة السكرة والكربة فيرى الغرفة التى هو فيها مرة فضاء موحشا ومرة أخرى أضيق من سم الخياط . وينظر مرة فيجد أهله يبتعدون عنه وأخرى يقتربون منه ، اختلطت عليه الأمور والأوراق !! من هذا ..؟!! ملك الموت !! ملك الموت عند رأسه ، ومن هؤلاء الذين يتنزلون من السماء إنه يراهم بعينه ، إنهم الملائكة !! يا ترى ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟!! يا ترى ماذا سيقول ملك الموت ؟!!! هل سيقول لى الآن يا أيتها الروح الطيبة اخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان ورب راض غير غضبان ؟!! أم يقول يا أيتها الروح الخبيثة اخرجى إلى سخط الله وعذابه ؟ ينظر لحظة الصحوة بين السكرات والكربات ، فإذا هو يعى من حوله من أهله وأحبابه فينظر إليهم نظرة استعطاف !! نظرة رجاء !! فيقول بلسان الحال وربما بلسان المقال : يا أولادى .. يا أحبابى .. يا أخوانى لا تتركونى وحدى ، ولا تفردونى فى لحدى !! أنا أبوكم ، أنا الذى بنيت لكم القصور !! أنا الذى عمرت لكم الدور! أنا الذى نميت لكم التجارة !! فمن منكم يزيد فى عمرى ساعة أو ساعتين؟ فدونى بأموالى .. فدونى بأعماركم !!" وكما سبق القول الملائكة لا تنزل الأرض ومنها ملك الموت لأن ملك الموت قد يميت فى اللحظة الواحدة عشرات الأشخاص أو أكثر فى أماكم متباعدة من العالم وهذا ما يتطلب تواجده فى أماكن كثيرة وهى أمر محال وإنما ملك الموت عنده اتصال بكل الخلق فمن يأتيه أجله يقطع الاتصال به فيموت والأمر أشبه بمن يتحكم فى الشبكة العنكبوتية من خلال قطع الخدمة عن البعض من خلال الضغط على زر أو من خلال كتابة الاسم والضغط عليه وفى عدم نزول الملائكة ألأرض قال تعالى : "قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا" وحكى الرجل لنا حكاية فقال : "وهنا يعلو صوت الحق كما قال جل وعلا : { ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه } وقد سجل التاريخ لهارون الرشيد عندما نام على فراش الموت فنظر إلى جاهه وماله وقال : ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه !! ثم قال : أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !! فحملوه إلى قبره ، فنظر هارون إلى القبر وبكى ونظر إلى السماء وقال : يا من لا يزول ملكه ... ارحم من قد زال ملكه . أين الجاه ؟! أين السلطان ؟! أين المال ؟! أين الأراضى والأطيان ؟! ذهب كل شئ !! سبحانه ... سبحانه ... سبحانه . سبحان ذى العزة والجبروت ، سبحان ذى الملك والملكوت ، سبحان من كتب الفناء على جميع خلقه ، وهو الحى الذى لا يموت . سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة . سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة ." بالقطع لا يوجد سلطان يسكن القصور يفعل ذلك وإنما هى حكايات للضحك علينا فلو فعل لتاب قبل موته وكرر آيات التراقى فقال : "{ كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق } : من يرقى بروحه ؟!! أو من يبذل له الرقية والعلاج ؟!! وقال سبحانه { وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق } . إنه يوم المرجع .. إنه يوم العودة ... انتهى الأجل ... انتهت الدنيا وحتما ستعرض على مولاك سأل سليمان بن عبد الملك عالما من علماء السلف يقال له أبو حازم ، قال سليمان : يا أبا حازم ، ما لنا نكره الموت ؟! قال أبو حازم : لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب !!" نفس الحكايات عن الحاكم وكما سبق القول لا يمكن لحاكم أن يفعل ذلك وكعادة الكثير منالخطباء يعرفون ان العامة لا ترضيهم الحقيقة وإنما ترضيهم الحكايات حتى ولو كانت مضلة أو كاذبة تحدث الخطيب فقال : "أحبتى فى الله : فى زيارة إلى أمريكا نبهنى أحد القائمين على الدعوة هناك برجل من الله عليه بالأموال ، وهو مسلم عربى ومع ذلك لا يصلى ، ولا يعرف حق الكبير المتعال ذهبت إليه لأذكره بالله فقال لى بلسان المقال : أنا أتيت إلى هذه البلاد من أجل الدولار وأعدك إن عدت إلى بلدى لا أفارق المسجد قط. قلت : سبحان الله .. ومن يضمن لك يا مسكين أنك سترجع إلى بلدك ؟!! ، أو أن يمر عليك يوم بكامله ؟!!! والله لا تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات . دع عنك ما قد فات فى زمن الصبا ... واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته ... بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح منك وديعة أودعتها ... ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التى تسعى لها ... دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم و النهار كلاهما ... أنفاسنا فيهما تعد وتحسب دنياك مهما طالت فهى قصيرة .. ومهما عظمت فهى حقيرة .. لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر .. ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر . ثم سأل سليمان بن عبد الملك ، وقال : يا أبا حازم كيف حالنا عند الله تعالى ؟!! قال : اعرض نفسك على كتاب الله . قال سليمان : أين أجده ؟!! قال : فى قوله تعالى : { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } . قال سليمان بن عبد الملك : فأين رحمة الله يا أبا حازم ؟!! قال أبو حازم { إن رحمت الله قريب من المحسنين } فقال سليمان بن عبد الملك : فكيف عرضنا على الله غدا . قال : أما المحسن فكالعبد الغائب من سفر يقدم على أهله ، فيستقبله الأهل بفرح ، والمسىء كالعبد الآبق يقدم على مولاه . وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه )) . قالت عائشة : يا رسول الله أكراهية الموت ؟ كلنا يكره الموت . قال : (( لا يا عائشة ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بسخط الله وعذابه كره لقاء الله وكره الله لقاءه )) ثم قال: "وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذا وضعت الجنازة وحملها الرجال على الأعناق تكلمت وسمعها كل شئ إلا الثقلين - أو قال : إلا الإنسان - ولو سمع الإنسان لصعق ، فإن كانت صالحة قالت : قدمونى قدمونى !! وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها ..!! أين يذهبون بها !! ))" والخطأ فى الحديث أن كل شىء يسمع صوت الجنازة عدا الإنسان وهو يخالف أن الجن معزولون عن السمع بدليل قوله تعالى "وإنهم عن السمع لمعزولون "وقوله "لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا "فهنا الجن لا يسمعون الأصوات وقطعا أى الروح الميتة تصعد للملأ الأعلى ككل شىء بعد أن انتهى بدليل قوله "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة "إذا فالجن لا يسمعون شىء عن الموتى الصاعدين للسماء سواء منهم أو من غيرهم ونصح الرجل الحضور فقال : " اللهم سلم.. سلم . أيها اللاهى .. أيها الساهى .. أيها الشاب .. أيها الكبير .. أيها الصغير .. أيها الأمير .. أيها الوزير .. أيها الحقير .. ذكر نفسك ، وقل لها !! يا نفس قد أزف الرحيل ... وأظلك الخطب الجليل فتأهبى يا نفس لا ... يلعب بك الأمل الطويل فلتنزلن بمنزل ... ينسى الخليل به الخليل وليركبن عليك فيه ... من الثرى حمل ثقيل قرن الفناء بنا جميعا ... فلا يبقى العزيز ولا الذليل" وما قاله الشاعر خطأ فالمسلم كالشهيد لا ينسى عند موته الأحياء كما قال تعالى : "ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" فهنا الشهداء يطلبون الخبر السعيد عمن تركوهم فى الحياة ثم تحدث عن القبر فقال : "هكذا تبدأ رحلتنا فى رحاب الدار الآخرة بالموت بعدما بينا بإيجاز حقيقة الدنيا وتنتهى هذه المرحلة الأولى بالوصول إلى القبر ، وها أنا سأقف معكم إن شاء الله تعالى لاحقا أمام القبر ، وحقيقة القبر ، وما معنى البرزخ وما معنى النعيم ، وما معنى الجحيم ، ولماذا لم يذكر الله عذاب القبر صراحة فى القرآن ؟ وهل ثبتت أحاديث صحيحة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ؟ وما هى حقيقة القبر؟ وما هى حقيقة البعث ؟ لنواصل هذه الرحلة التى هى من الأهمية بمكان " وطالب الحضور بالتوبة فقال : "ها أنا ذا أذكر نفسى أولا ثم إخوانى وأحبابى فى هذه اللحظة بالتوبة والإنابة إلى رب الأرض والسموات وأقول : يا من أسرفت على نفسك بالمعاصى !! يا من تركت الصلاة فى بيوت الله !! يا من تركت الحجاب الشرعى وضيعت الصلاة !! يا من شغلك هبل العصرى ( التلفاز ) والشيطان عن الله عز وجل !! يا من أعرضت عن مجالس العلم وأماكن الخير والطاعة والعبادة !! يا من قضيت عمرك على المقاهى وتركت طاعات الله . تب من الآن إلى الله وسيقبل الله توبتك إن كانت خالصة لوجهه قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } . أقول لك أخى الحبيب : تب إلى الله ولا تيأس مهما بلغت ذنوبك ، مهما كثرت معاصيك اطرق باب الرحمن ، فلن يغلق الله فى وجهك قط ما دمت تستغفر وتتوب إليه { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فعاهد نفسك من الآن على التوبة أينما كنت ألم يقل الله عز وجل؟!! { ياأيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير } يقول - صلى الله عليه وسلم - : (( قال الله تعالى فى الحديث القدسى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتى لا تشرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " )) " وطالب الرجل الحضور بالعمل الصالح فى الدنيا لأنه هو الطريق إلى جنة الآخرة فقال : "أيها الحبيب ... اجتهد فى الدنيا وعمر الكون واربح ما استعطت من أموال ولكن بشرطين أن تربح من حلال ، وتؤدى حق الكبير المتعال . اجتهد فى الدنيا وازرع للآخرة ، فأنا لا أريد أن أقنتك من هذه الحياة قط وإنما أريد أن أذكر نفسى وإياك بأن الدنيا مزرعة للآخرة ، فلا ينبغى أن ننشغل بالدار الفانية على الباقية ، فغدا سترحل عن هذه الحياة ولن ينفعك إلا ما قدمت . (( يتبع الميت ثلاث ، ماله ، وأهله ، وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله ) وينادى عليك فى القبر بلسان الحال : رجعوا وتركوك ... و فى التراب وضعوك وللحساب عرضوك ... ولو ظلوا معك ما نفعوك ولم يبقى لك إلا عملك مع رحمة الحى الذى لا يموت .." وبالقطع لا ينادى أحد على الميت فى قبره كما قال الخطيب لأن الميت يرفع للسماء فيدخل الجنة أو يدخل النار | |
|