نقد كتاب الولاية على الغير
الكتاب تأليف هاني بن عبد الله بن محمد الجبير وهو يدور حول الولاية على الأطفال والمجانين وما شابه وفى مقدمته قال:
"من عظيم حكمة الله سبحانه وتعالى ورحمته بخلقه ، أنه خلق الإنسان أطوارا وأركبه طباقا ، ونقله من حال إلى حال فهو يخرج من بطن أمه ضعيفا ، نحيفا ، وهن القوى ، ثم يشب قليلا حتى يكون صغيرا ، ثم حدثا ، ثم مراهقا ، ثم شابا ، كما قال تعالى : { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة } وكما ابتدأ ضعيفا فإن الله يصيره من بعد قوته ضعيفا هرما ، حتى لا يكاد يدبر أموره ، ولا يلبي شئونه ، وكما قال أسامة بن منقذ وقد أعياه حمل القلم بعد ما شاخ :
فأعجب لضعف يدي عن حملها قلما من بعد حمل القنا في لبة الأسد
وكذلك فإن الله يبتلي بعض عباده بأنواع من العاهات ، كالجنون ونحوه ، مما يفقد الإنسان تمييزه ، ولا ريب أن هؤلاء ليسوا بأهل للتصرف
فمن رحمة الله تعالى أن اعتبرت الشريعة الإسلامية الولاية على الغير في حال عجزه عن النظر في مصالحه
ونتناول في هذه الدراسة الولاية الجبرية على الغير في الأمور المالية وذلك من خلال ما سيأتيك تباعا من تمهيد وفصول ثلاثة وفق الله الجميع لهداه "
وقد بدأ البحث بتعريف الولاية فى اللغة ثم فى الاصطلاح فقال:
"التمهيد :
تعريف الولاية :
أولا : الولاية في اللغة :
الولاية – بكسر الواو – مصدر ولي ، وولي – والثانية قليلة الاستعمال – يلي وهي تعني القيام على الغير وتدبيره وتكون الولاية بمعنى القرابة والنصرة ، والمحبة فتأتي الواو مفتوحة ومكسورة وكلا المعنيين مراعى في الولاية : لأنها تحتاج من الولي إلى التدبير والعمل كما تحتاج إلى نصرة المولى عليه ، والنسب دعامة قوية من دعائم تحقيق هذه النصرة وإن كان الأول هو المقصود بهذا البحث
ثانيا : الولاية في الاصطلاح :
هي حق تنفيذ القول على الغير ، شاء الغير أو أبى فيكون الولي من له حق القول على الغير وقد انتقد مصطفى الزرقا هذا التعريف ، إذ قال : ( وهذا التعريف غير سديد ؛ لأنه يعرف الولاية ببيان حكمها لا بشرح حقيقتها ) واختار أن يكون التعريف هو : قيام شخص كبير راشد على شخص قاصر في تدبير شئونه الشخصية والمالية
والحقيقة أن التعريف ببيان الحكم أو اللوازم الخارجية - وهو الذي يسميه علماء المنطق بالحد الرسمي - نوع معتبر من أنواع المعرفات ، فلا ضير في استعماله "
قطعا الولاية ليست دوما من شخص راشد على شخص راشد فهناك ولاية من راشد على راشد مثل ولاية زكريا(ص)على مريم (ص) فلم تكن مريم مجنونة ولا طفلة عند الولاية عليها وإنمكا كانت راشدة نوعا ما بدليل إجاباتها وكلامها
ومثل ولاية الأب أو الأخ على ابنته فى الزواج فالمرأة لا تتزوج دون أن تكون راشدة ولكنها ولاية فى العقد فقط كما فى قوله تعالى"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى"
فالولاية تكون من راشد على قاصر ومن راشد على راشد وهى تعنى المناصرى أى حفظ الولى حقوق من ولى عليه
وتعرض هانى الجبير لمن تثبت فى حقهم الولاية فقال:
"الفصل الأول : من تثبت عليه الولاية :
تثبت الولاية الصغير ، والمجنون – ومن في حكمه – والمملوك ، والسفيه ، فهؤلاء تثبت عليهم الولاية ونفاذ تصرفاتهم خاضع لعدة اعتبارات وهناك من لا يولي عليه لكنه يمنع من التصرف بنوع ، أو أنواع من التصرفات كالمريض مرض الموت ، والمفلس ، وغيرهما ، وهذا القسم الأخير غير داخل في بحثنا إذ أنه لا يولي عليهم "
الولاية يدخل تحتها التالى :
السفيه والضعيف والأبكم كما قال تعالى" فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل "
والسفيه يطلق على المجانين والضعاف تطلق على الصغار وهم الأطفال ومن لا يقدر على الإملاء هو الأبكم ومن فى حكمه كالمشلول الذى يقدر على النطق
كما يدخل تحتها البنات الراشدات اللاتى لم يتزوجن والولاية منها الولاية المالية ومنها الولاية فى العقود
ثم قال الجبير:
"وسنستعرض الآن هذه الأصناف الأربعة :
أولا : الصغير :
الصغير في اللغة : ضد الكبير وهو في عرف الفقهاء : من لم يبلغ من ذكر وأنثى والصغير تثبت عليه الولاية باتفاق أهل العلم ؛ لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فلما بين أنه لا يجوز دفع المال قبل بلوغ النكاح وإيناس الرشد دل ذلك على ثبوت الولي لغير البالغ"
قطعا تعريف الصغير بكونه الذى لم يبلغ يخالف أن كلمة الأطفال وهم الصغار تطلق على من بلغ ومن لم يبلع كما قال تعالى "وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استئذن الذين من قبلهم"
فالطفولة تستمر بعد البلوغ سنوات حتى الرشد بدليل أن الرشد قد لا يؤنس أى لا يعرف بعد البلوغ
ثم قال:
"ثانيا : المجنون:
المجنون في اللغة من أصابه الجنون والجنون استتار العقل واختلاطه ، وفساده وهو في عرف الفقهاء : زوال العقل وفساده وقد اتفق الفقهاء على إثبات الولاية على المجنون وفي حكم المجنون المعتوه ، ومن أصابه الخرف لكبر سنه فإن العته نوع من الجنون ؛ إذ هو زوال العقل إلا أن الحنفية فرقوا بينهما فجعلوا العته نوعا مختلفا ؛ فهو عندهم من كان قليل الفهم ، مختلط الكلام ، فاسد التدبير ، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون إلا أنه على هذا الاعتبار أيضا فإن المعتوه تثبت عليه الولاية ؛ إذ أن الحنفية يلحقونه بالصبي المميز"
المجنون كل من تعدى الطفولة وفقد العقل سواء كان ذلك نتيجة كونه مؤلف القلب أى مركب النفس تركيب خاطىء أو أنه بلغ أرذل العمر والصفة التى يعرف بها هى عدم قدرته على التصرف المالى الصحيح وذلك باإضافة إلى قيامه بأفعال أخرى
ثم قال:
"ثالثا المملوك:
المملوك تثبت عليه الولاية باتفاق ؛ وذلك لعجزه ونقصان رتبته حكما ؛ قال تعالى : { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } "
المملوك عاقل وليس لمالكه ولاية عليه بدليل أن يتزوج كما قال تعالى " وامحكوا اليامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم" والمراد عبادكم وبدليل أن شريك للمالك فى المال وأن المالك يعطيه ما يحرر به نفسه كما قال تعالى "والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وأتوهم من مال الله الذى أتاكم"
فكل سلطة المالك على المملوك هو أنه يعمل لصالح المالك بلا أجر من الصباح حتى الظهيرة وهو وقت العمل الوظيفى عند الله وفى المقابل على المالك أن يوفر له كل الضروريات
ثم قال الجبير:
"رابعا السفيه:
يقال سفه فلان سفاهة فهو سفيه والسفه نقص في العقل ، وهو ضد الحلم وفي الاصطلاح : خفة تبعث على العمل في المال بخلاف مقتضى العقل والشرع "
السفيه فى القرآن يطلق على المجنون كما يطلق على الطفل قبل الرشد كما قال تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا"
ثم قال:
"وقد اختلف الفقهاء في السفيه هل يحجر عليه - مما يترتب عليه إقامة ولي عليه - على قولين :
القول الأول : لا يحجر على الحر البالغ وإن كان سفيها وإنما يوقف تسليم المال إليه حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة ، فإذا بلغها سلم إليه ماله وإن كان مبذرا
وبه قال أبو حنيفة
القول الثاني : يحجر على السفيه مطلقا وبه قاله أبو يوسف ومحمد بن الحسن ، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول بعدة أدلة منها ما يلي :
1- عمومات الأدلة في البيع والهبة والإقرار من نحو قوله تعالى : { وأحل الله البيع } فقد شرع الله هذه التصرفات شرعا عاما والحجر على السفيه يناقض هذه الأدلة
يمكن أن يناقش : بأن عمومات النصوص خص منها المجنون والصغير بالاتفاق ، فليكن السفيه مخصوصا كذلك بالأدلة الدالة على الحجر عليه
2- عن ابن عمر أن رجلا ذكر للنبي أنه يخدع في البيع فقال إذا بايعت فقل : لا خلابة وعن أنس بن مالك أن رجلا كان يبايع وكان في عقدته ضعف ، فدعاه النبي (ص)فنهاه عن البيع ، فقال يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع فقال رسول الله (ص): إن كنت غير تارك للبيع فقل هاء وهاء ولا خلابة
ففي الحديثين دليل على أنه لا يحجر على الكبير ولو تبين سفهه
نوقش : بأن عدم الحجر عليه لا يدل على منع الحجر على السفيه ، لأنه لو كان الحجر عليه لا يصح لأنكر عليهم طلبهم الحجر عليه
3- أن في الحجر عليه سلب لولايته ، وسلبها إهدار لآدميته وإلحاق بالبهائم وهو أشد ضررا من التبذير فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى فلا يحجر عليه ولو كان مبذرا منعا للضرر الأعلى
يمكن أن يناقش : بأن الحجر عليه لحظ نفسه حفظا لأمواله ، وإلحاقه بالبهائم منتقض بالعبد والصغير والمجنون فإنهم يحجر عليه مع آدميتهم
4- أن منع المال منه يراد منه التأديب ، ومنع المال منه بعد بلوغ خمس وعشرين لا فائدة منه إذ لا يتأدب بعد هذا السن غالبا ، إذ قد يصير جدا في مثل هذا السن
نوقش : أن ما ذكر من كونه جدا متصور فيمن له دون هذا السن فإن المرأة تكون جدة لإحدى وعشرين سنة فظهر بهذا عدم صحة تعليق الحكم بهذا الوصف وهو بلوغ خمس وعشرين سنة
5- أن السفيه حر بالغ عاقل مكلف ، فلا يحجر عليه كالرشيد
نوقش : بأن القياس منتقض بمن له دون خمس وعشرين سنة فإنه بالغ حر عاقل مكلف ويمنع من ماله لسفهه اتفاقا وما أوجب الحجر قبل خمس وعشرين يوجبه بعدها
واستدل أصحاب القول الثاني بعدة أدلة منها ما يلي :
1- قوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فقد علق الدفع على شرطين ، والحكم المعلق على شرطين لا يثبت بدونهما فلا يدفع المال إلا للرشيد البالغ
2- قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما }
فقد بين أن السفيه لا يجوز دفع ماله إليه ، فدل على أن سبب الحجر هو السفه
نوقش :
1- بأن المراد بالسفهاء النساء والأولاد الصغار
2- كما نوقش بأن المراد لا تؤتوهم مال أنفسكم ؛ لأن الله سبحانه أضاف المال إلى المعطي وأجيب : بأن القول بأن السفهاء النساء غير صحيح ؛ فإنما تقول العرب في النساء سفائه أو سفيهات كما أجيب بأن إضافة المال للمخاطبين لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم مع كونها للسفهاء
3- قوله تعالى : { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف ، وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ ؛ لأن السفه اسم ذم ولا يذم الإنسان على مالم يكتسبه
4- روى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا ، فقال علي رضي الله عنه لآتين عثمان ليحجر عليك فأتى عبد الله بن جعفر الزبير ، فقال قد ابتعت بيعا ، وإن عليا يريد أن يأتي أمير المؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي فقال الزبير : أنا شريكك في البيع فقال عثمان : كيف أحجر على رجل شريكه الزبير وهذه قصة يشتهر مثلها ، ولم يخالفها أحد في عصرهم ، فتكون إجماعا
5- أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير وعدم الرشد الذي يوجد فيهم غالبا فوجب أن يكون الحجر على من وجد فيه هذا المعنى وإن لم يكن صغيرا
الترجيح :
بعد تأمل ما سبق يظهر لي رجحان القول الثاني لشهرة الحجر على السفيه عند الصحابة كما في حديث لا خلابة ، وقصة عبد الله بن جعفر ، مع ما ورد على أدلة القول الأول من مناقشات "
لا يوجد شىء اسمه الحجر فالموجود هو الولاية التى تعنى كما قلت حفظ حقوق الفرد العاجز عن التصرف السليم ومن ثم فهى لا تعنى الاستيىء على مال الفرد العاجز وإنما تعنى الحفاظ عليها حيث تكون كما هى أمواله وليست أموال الولى فإن أفسد الولى فيها طولب برد المال لصاحبه وإلا كان سارقا تقطع يده ولذا حرم الله افساد فيها بالإسراف فقال " ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا"
وكل ما يجوز للولى فيها هو أخذ أجر على القيام بحفظ المال إن كان فقيرا وأما عن كان غنيا فلا يجوز أن يأخذ شىء منها
ثم قال :
"الفصل الثاني : الأحق بالولاية:
يقسم فقهاء المذهب الحنفي الولاية إلى قسمين : ولاية على النفس ، وولاية على المال والولاية على النفس هي الإشراف على شئون القاصر الشخصية من صيانة ، وحفظ ، وتأديب ، وتعليم ، وتزويج ، وتطبيب
والولاية على المال هي الإشراف على شئون القاصر المالية من حفظ المال ، وإبرام العقود ، وسائر التصرفات المتعلقة بالمال
أما الجمهور فإن الولي على النفس عندهم هو الولي على المال ويظهر ذلك من خلال تأمل ما يلي :
1- أنني لم أجد منهم من قسم الولاية إلى قسمين كما فعل فقهاء الحنفية
2- أن الولي على المال عندهم هو الذي يملك حق الإجبار على التزويج ، كل على حسب ما اختاره من ترتيب الأولياء وهذا يعني أن الولي على النفس هو الولي على المال
3- أن المالكية قسموا الحجر إلى قسمين : حجر بالنسبة للنفس ، وحجر بالنسبة للمال وعنوا بالحجر على النفس تدبير نفس الصبي وصيانته وجعلوا الولي فيهما واحدا
4- وأن الحنابلة جعلوا الولي على المال في باب الحجر هو الولي على النفس ، الذي من حقه الإذن في الإجراء الطبي للقاصر ، فقد قال ابن قدامة: ( وإن قطع طرفا من إنسان فيه أكلة ، أو سلعة ، بإذنه ، وهو كبير عاقل فلا ضمان عليه ، إن كان من قطعت منه صبيا أو مجنونا وقطعها أجنبي ، فعليه القصاص ؛ لأنه لا ولاية له عليه ، وإن قطعها وليه ، وهو الأب ، أو وصيه ، أو الحاكم , أو أمينه المتولي عليه ، فلا ضمان عليه ) وقد قال قبل ذلك في باب الحجر : ( ولا ينظر في مال الصبي والمجنون ما داما في الحجر ، إلا الأب أو وصيه بعده ، أو الحاكم عند عدمهما )
فبناء على ما سبق فقد اختلف الفقهاء في الأحق بالولاية على أربعة أقوال :
القول الأول : أن الولاية تثبت للأب ، ثم لوصيه ، ثم الحاكم ، وهو مذهب المالكية ، والحنابلة
القول الثاني : أنها بعد الأب للجد - أب الأب - ثم وصي من تأخر موته منهما ، ثم الحاكم ، وهو مذهب الشافعي ، ورواية عن الإمام أحمد
القول الثالث : أن الولاية – على النفس – تكون للأقرب فالأقرب من العصبات بالنفس على ترتيبهم في الإرث ، والولاية على المال تكون للأب ، ثم وصيه ثم الجد – أب الأب – ثم وصيه ، ثم القاضي وهو مذهب الحنفية
القول الرابع : أن الولاية تثبت للأم بعد الأب والجد ، ثم تكون للأقرب من العصبات بالنفس ، وهو قول أبي سعيد الإصطخري من الشافعية ، ورواية عن أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية
الأدلة :
استدل الفريق الأول بعدة أدلة منها :
1- أن الولد موهوب لأبيه ؛ قال تعالى : { ووهبنا له يحيى }
وقال زكريا : { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } ، ولاشك أن الموهوب ولي على الهبة
2- أن الأب أكمل نظرا وأشد شفقة من غيره وهذا يستلزم توليته على ولده
3- وأما تقديم الوصي بعد الأب : فلأنه نائب الأب ، فأشبه وكيله في الحياة
4- وأما الحاكم ؛ فلأنه ولي من لا ولي له ؛ لحديث عائشة مرفوعا : (( السلطان ولي من لا ولي له ))
واستدل الفريق الثاني بما استدل به الفريق الأول
1- كما استدل على ولاية الجد بأنه أب في الحقيقة وإن علا ؛ لأن له إيلادا ؛ قال تعالى : ل{ ملة أبيكم إبراهيم } وإذا ثبتت الولاية للأب فليكن الجد كذلك لاشتراكهما في الأبوة
ونوقش :بأن الجد لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب فهو كالأخ ، والأخ وسائر العصبات لا ولاية لهم
2- واستدلوا بأن الجد أشفق من غيره فوجب تقديمه
ونوقش :بأن الأب لا يوصي لغير الجد إلا لسبب اطلع عليه واستدل الفريق الثالث بعدة أدلة منها ما يلي :
1- أن الولاية مبناها على الشفقة ، والعصبة أشفق من غيرهم
ويمكن أن يناقش :بأن الأم أكثر شفقة فتقديمها في الولاية أحق
2- وأن الأب لا يوصي لغير الجد مع وجوده – إلا لسبب اطلع عليه
ويمكن أن يناقش :بأن الولاية مبناها على الشفقة ، وشفقة الجد على أولاد ابنه أكبر من شفقة الوصي غالبا واستدل الفريق الرابع بعدة أدلة منها :
ما استدلوا بأن الأم أحد الأبوين فتثبت لها الولاية كالأب ولكمال شفقتها فهي أولى من الوصي الأجنبي واستدلوا لولاية العصبة بحجر الابن على أبيه عند خرفه
الترجيح :
الراجح من الأقوال السابقة هو القول الرابع ؛ وذلك لقوة أدلته ولمطابقته للحاجة والواقع ؛ إذ أقارب القاصر أشفق عليه ، وأعلم بحاجته من الوصي الأجنبي والحاكم ، ثم إنه لا يحتاج إلى الرفع إلى الحاكم إذا لم يوجد أحد من عصباته ، وأما الأقوال الأخرى فإنه لا يقام ولي لمن فقد أباه ، أو أباه وجده ، إلا من قبل الحاكم وفي هذا من المشقة ما فيه
وجميع ما سبق في الصغير ، ومن بلغ مجنونا أو سفيها ، أما من جن بعد بلوغه أو خرف ، فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين :
القول الأول : أنه لا يحجر عليه إلا الحاكم ولا تكون ولايته إلا للحاكم ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة
القول الثاني : أن ولايته تعود لمن كان وليا عليه في صغره وهو مذهب المالكية ، وقول أبي يحيى البلخي من الشافعية ، وهو قول للحنابلة
الأدلة :
استدل الفريق الأول بعدة أدلة منها ما يلي :
1- أن ولاية أوليائه انتهت ببلوغه
2- ولأن الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم
واستدل الفريق الثاني بأن أولياءه أشفق
الترجيح :
عند التأمل في القولين السابقين وما في الأول من احتياط ، وما في الثاني من رعاية لمصلحة القاصر ، يظهر لي أن الأولى جعل الحجر بيد الحاكم ، وعليه أن يفوضه لمن يختاره من أقارب القاصر لكونهم أشفق وقد أشار إلى ذلك الشافعي "
قطعا الولى يكون من الورثة للفرد وليس من غيرهم فالولاية هى حق لكل من يرث الفرد الموصى عليه وأولهم الأب والأم ثم الأجداد للأب ثم الاخوة والأخوات فإن لم يوجد أحد منهم تولى الأعمام الولاية والعمات بعدهم
ثم قال :
"مسألة :لا خلاف بين أهل العلم أن الولي على العبد سيده "
كما سبق القول لا توجد ولاية للمالك على المملوك فى الإسلام ثم قال:
"الفصل الثالث : انتهاء الولاية:
لا خلاف بين أهل العلم أن الولاية على المجنون تنتهي بإفاقته عند الشافعية والحنفية واشترط المالكية والحنابلة الرشد مع الإفاقة
وأما الصغير فقد اختلف الفقهاء بم تنتهي الولاية عليه ، على قولين :
القول الأول : تنتهي الولاية عليه ببلوغه وهو قول أبي حنيفة
القول الثاني : تنتهي بالبلوغ رشيدا وهو قول الجمهور
وقد سبق بيان ذلك مستوفى كما اختلف الفقهاء هل يحتاج إنهاء الولاية عليه إلى حكم حاكم بذلك أم لا على أقوال ثلاثة :
القول الأول : أنها تنتهي بفك القاضي الحجر عنه وهو قول للشافعية
القول الثاني : تنتهي بنفس بلوغه رشيدا وهو قول محمد بن الحسن ، ومذهب الشافعية والحنابلة
القول الثالث : التفصيل فإن كان ذا أب فتنتهي الولاية عليه ببلوغه رشيدا ، وإن كان وليه الوصي فلا بد مع ذلك من فك الولي للحجر عنه وكل ذلك دون إذن قاض وهو مذهب المالكية
الأدلة :
استدل أصحاب القول الأول بأن الرشد يحتاج إلى نظر واجتهاد
واستدل أصحاب القول الثاني بعدة أدلة منها ما يلي :
1- قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم }
فلم تشترط الآية فك قاض أو وصي أو غيرهما فالقول به زيادة على النص
2- أنه حجر ثبت بغير حاكم لقم يتوقف زواله على إزالة الحاكم كحجر المجنون
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي :
أن الأب لما أدخل ولده في ولاية الوصي صار بمنزلة ما لو حجر عليه وهو إذا حجر عليه صار لا ينطلق إلا بإطلاقه
الترجيح :
الظاهر من الأقوال السابقة هو عدم احتياج إنهاء الولاية إلى حكم حاكم ولا فك وصي ؛ فإن الله تعالى لم يشترط ذلك ، ولأن إقامة الولي عليه كانت بسبب صغره ، فتزول بزوال الصغر
سواء في ذلك ولاية الأب أو الوصي والله أعلم
وأما السفيه فإن من رأى الحجر عليه ، أنهى الولاية عليه برشده ، إلا أن الفقهاء اختلفوا هل يحتاج ذلك لحكم حاكم أم لا ؟ على أقوال :
القول الأول : أن الولاية عليه تنتهي بظهور الرشد دون حكم وهو قول محمد بن الحسن
القول الثاني : أنه لا بد مع رشده من حكم حاكم بفك الحجر عنه وهو قول أبي يوسف ، ومذهب الشافعية والمالكية
القول الثالث : التفصيل ، فإن كان الحجر عليه بعد بلوغه فلا ينفك عنه إلا بحكم القاضي ، وإن استصحب السفه بعد بلوغه فإنه ينفك عنه الحجر برشده وهو مذهب الحنابلة
وعند تأمل هذه الأقوال وما وجهت به نجد أن تعليلاتهم تدور حول سبب الحجر عليه فإن كان السفة فإن رشده يرفعه ، وإن كان حكم القاضي فالحكم لا يرتفع إلا بحكم
والذي يظهر لي رجحان القول الثالث إذ من بلغ غير رشيد فهو مشمول بالآية { فإن آنستم منهم رشدا } فيكفي رشده لإطلاقه وتسليم ماله له وأما من حجر عليه الحاكم فإن الحكم لا يرتفع إلا بحكم وفي هذا جمع بين الأقوال كما ترى "
وما سبق من كلام يؤخذ عليه التالى :
- أن الولايات تكون كلها تابعة للقضاء فهو من يقررها حتى يمكن معاقبة الولى المفسد فيها فليست الولاية مفتوحة هكذا فوظيفة المجتمع ككل هو الحفاظ على بعضه ولا يمكن أن يكون الحفاظ فى حالة الولايات إن لم تكن هناك رقابة قضائية فالقاضى كل شهر أو نصف يطمئن على أموال هؤلاء حتى لا تضيع
- أن الرشد يكون اختباره بمعرفة الولى فإن عرف من السفيه رشدا أبلغ القاضى وأشهد الشهود على رده المال حتى لا يحاسب بعد ذلك على المال