نقد كتاب التحقيق في مسألة التصفيق
الكتاب من تأليف ناصر بن حمد الفهد وهو يدور حول نقد فتوى قال بها أحدهم حول حرمة التصفيق وإباحته وفى هذا قال المؤلف :
" رأيت في جريدة عكاظ عدد 11012 بتاريخ 24/5/1417 ما نصه:
(سئل فضيلة الشيخ.. عن اعتراض بعض المدرسين على التصفيق داخل الفصول من قبل الطلبة لتشجيع زملائهم بحجة أن هذا ليس من فعل المسلمين و لا يجوز قال فضيلته :
"إن من يرى هذا الأمر لا يجوز فعليه الدليل قبل كل شئ حتى نعرف الحكم الشرعي وإذا كان لديه دليل مقتنع به فإنه لا يجوز أن يمكن الطلاب منه، وأما من يرى أن ذلك لا بأس به وأن هناك مصلحة في تشجيع الطلاب وتنبيههم فلا ينكر عليهم، والذي يفعله الكفار هو أنهم يجعلون المكاء والتصدية عند البيت بدلا عن الصلاة والدعاء ولا يفعلونها عند العجب من الشئ أو استحسانه حتى يقال إن الإنسان المسلم لو صفق عند التعجب من شئ أو استحسانه لكان بذلك مشابها للكفار ، إنما يقول الله عز وجل (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فالمكاء الصفير والتصدية هي التصفيق فهم يجعلون ذلك عبادة) انتهى
وعليها تصحيح الشيخ بتاريخ 14/8/1418"
فتوى الشيخ تعتبر الأمر مباح إن ثبت الدليل محرم إن ثبت الدليل وكلامه مشعر بالحرمة ولكن اعتماد على قول الغير وهو قوله حتى يقال ومن ثم فهى ليست بفتوى
ومؤلف الكتاب اعتبر التصفيق محرما بتلك الصورة وهى التصفيق تشجيعا للتلاميذ فقال:
"وهذا القول غير صحيح، بل الصواب أن التصفيق بهذه الصورة محرم على أي وجه كان ، ودلالة تحريمه من وجوه :
الوجه الأول :
أن الله سبحانه يقول ذاما للكفار (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) وقد ثبت عن ابن عباس وابن عمر وعطية ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة أنهم قالوا ( المكاء : الصفير، والتصدية : التصفيق )
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه يعيب على المشركين هذا الفعل :
إذا قام الملائكة انبعثم صلاتكم التصدي والمكاء"
وكلام ناصر هنا يدل على جهله فما علاقة التصفيق الكفرى وهو صلاة بالتصفيق للتلاميذ لرفع مستواهم وحثهم على طلب العلم؟
فهذه صلاة كفرية وهذا أمر متعلق بالعلم ولا وجه للشبه بين الصلاة وبين تشجيع التلاميذ
ثم قال أنه فعل الكفار للتصفيق كعبادة يحرمه علينا كتشجيع او استحسان :
"فإذا ثبت أن التصفيق كان يفعله المشركون في عبادتهم عند البيت فإنه لا يجوز فعله ولو كان على غير وجه العبادة كالاستحسان والتشجيع لوجوه"
وكلامه لو طبقناه لكانت الصلاة الحالية لنا حرام لوجود صلوات للكفار كالهندوس فيها قيام وركوع وسجود ولكان الصوم حراما فهناك عدة أمم عندهم الصوم عن الطعام والشراب ولو جلسنا نحرم ما يفعله الكفار لحرمنا كصير من أحكام الإسلام لمجرد التشابه المزعوم
وقد ذكر ناصر وجوه التحريم المزعوم فقال :
"الوجه الأول :أنه قد ثبت أن الشرع حسم مادة التشبه بالمشركين خصوصا في أمر عباداتهم حتى لو كان على وجه لا يفعله المشركون ، ومن الثابت هنا أن المشركين كانوا يتخذون التصفيق عبادة ، فيحرم التشبه بهم والتصفيق حتى لو كان على وجه اللعب أو التشجيع ونحوهما، ولا يشترط لتحريم التصفيق أن يقصد به ما قصده المشركون
قال شيخ الإسلام رحمه الله (الاقتضاء) 1/196-بعد أن ذكر كثيرا من الأدلة الدالة على تحريم التشبه بالمشركين في عباداتهم حتى مع اختلاف القصد-:
(وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفرا أو معصية بالنية ينهى المؤمنون عن ظاهره وإن لم يقصدوا به قصد المشركين سدا للذريعة وحسما للمادة) اهـ.
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في (تلبيس إبليس)1/316:
(والتصفيق منكر يطرب ويخرج عن الاعتدال وتتنزه عن مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فالمكاء الصفير والتصدية التصفيق)اهـ"
وقد سبق مناقشة هذا الدليل الذى كرره وسيكرره كثيرا وأما دليله المزعوم الثانى:
"الوجه الثاني : أنه في باب التشبه بالكفار لا تكاد تجد مسلما يقصد في ما وقع فيه من التشبه نفس قصد الكفار ،ولا يوجد في الشرع اشتراط هذا الأمر، فلو اشترطنا أنه لا يحرم التشبه بالكفار في ظواهرهم إلا مع وجود القصد لألغينا كثيرا من نصوص السنة التي تنهى عن ذلك،والنتيجة باطلة فمقدمتها باطلة أيضا، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله أيضا (الاقتضاء 1/491)-في ذكر بعض أنواع التشبه-:
(ما كان في الأصل مأخوذا عنهم (أي عن الكفار) إما على الوجه الذي يفعلونه، وإما مع نوع تغيير في الزمان أوالمكان أو الفعل ونحو ذلك ، فهذا غالب ما يبتلى به العامة) – ثم ذكر حكمه وتحريمه-"
وهو تكرار لنفس الكلام ولو عقل القوم فإنهم يحرمونما أمره الله به مثل فى قوله :
"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
فهنا طلب الله من المسلمين أن يتشبهوا بالكفار فى العدوان ومثله قوله تعالى :
"وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" فهنا العقاب يجب التشبه فيه بالكفار كرد للعدوان
وكرر الرجل كلامه فى الوجه التالى حيث قال :
"الوجه الثالث : أن التحريم في هذه المسألة وما شابهها على مراتب، فالتشبه بهم في التصفيق في العبادة أغلظ وأعظم من التشبه بهم في التصفيق مجردا عن هذا القصد وإن كان الجميع محرما، وهذا ظاهر لمن تأمل أدلة الشرع وأدلة النهي عن التشبه بالكفار –وسيأتي بعضها إن شاء الله تعالى-
قال ابن القيم رحمه الله تعالى (إغاثة اللهفان) 1/244:
(والمقصود أن المصفقين والصفارين في يراع أو مزمار ونحوه فيهم شبه من هؤلاء- يعني مشركي قريش- ولو أنه مجرد الشبه الظاهر فلهم قسط من الذم بحسب تشبههم بهم وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا)"
الغريب هنا أن الرجل ومن نقل عنهم ذكروا حرمة التصفيق للرجال فى الصلاة فى الرواية المنسوبة ولم يذكروا إباحته للنساء المسلمات حيث أباحته الرواية التالية:
15130- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِراً عَنِ التَّصْفِيقِ وَالتَّسبِيحِ قَالَ جَابِرٌ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِى الصَّلاَةِ وَالتَّسبِيحُ لِلرِّجَالِ ». معتلى 1731 مسند أحمد"
وزعم ناصر أن التصفيق من عادات الكفار فقال:
"الوجه الرابع : أن التصفيق ليس من شأن الكفار في عبادتهم فقط، بل هو من عاداتهم أيضا ، ولم يأت المسلمين على هذه الصفة إلا منهم "
وهو كلام ليس صحيحا فليس كل الكفار من عاداتهم التصفيق فالمحكى فى سورة الأنفال هو عن كفار مكة وليس عن كل الكفار وعاد ناصر لتكرار نفس الدليل الواهى فقال:
"الوجه الثاني من الأوجه الدالة على منع التصفيق:
أن التصفيق بالإضافة إلى كونه هديا للكفار الأوائل في عبادتهم، فهو من هدي للكفار المعاصرين أيضا في عاداتهم ، فإنهم إذا استحسنوا شيئا أو أعجبوا به أو أرادوا تشجيعه قاموا بالتصفيق والتصفير ، وما انتقل للمسلمين في هذه الأزمان على هذه الهيئة إلا منهم
وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن التشبه بهم من أشهرها ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم)
وقد قال شيخ الإسلام في (الاقتضاء)(1/83):
(وهذا الحديث أقل أحواله يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) "
ولا ندرى وجه الشبه بين تصفيق الكبار للكبار أو للصلاة وبين تصفيق الكبار للصغار فى العلم
ثم ذكر الرجل أن التصفيق من أفعال قوم لوط(ص) فقال :
"الوجه الثالث من الأوجه الدالة على منع التصفيق :
أنه قد ذكر أن التصفيق والصفير من فعل قوم لوط :
فقد روى ابن عساكر بسنده في (تاريخه50/321) عن أبي أمامة الباهلي قال(كان في قوم لوط عشر خصال يعرفون بها –وذكر منها والمكاء-)
وروى بسنده أيضا (50/321) عن علي قال (ست من أخلاق قوم لوط في هذه الأمة- وذكر منها الصفير-)
وروى بسنده (50/322) عن قتادة عن الحسن مرفوعا (عشر خصال عملتها قوم لوط بها أهلكوا وتزيدها أمتي بخلة- وذكر منها والصفير والتصفيق)"
وهو كلام لا قيمة له فليست كلام أفعال الكفار حرام فبعض منها يوافق الإسلام والنبى(ص) نفسه استعمل التصفيق فى الحديث التالى لتعليم المسلمين :
4974- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ». وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ صَفَّقَ الثَّالِثَةَ وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ. معتلى 5046 مسند أحمد"
فهل نتهم النبى(ص) بأنه يتشبه بالكفار؟
والأغرب من الخيال قوله :
"وهذه النصوص تدل على المنع من هذه العادة سواء صحت أو لا:
فإنها إن كانت صحيحة فأمرها ظاهر في أنه لا يجوز التشبه بهم فيها خصوصا وقد ذكرت من صفاتهم المذمومة التي بها أهلكوا.
وإن كانت ضعيفة فإنها تدل على أن السلف كانوا ينكرون مثل هذه الصفات ويتحدثون بإنكارها بينهم وهم مقرون بذمها لا ينازعون فيه
والعجيب أن التصفيق مقترن بالصفير دائما، فإن الذين نقلوا أنها عادة قوم لوط ذكروا مع التصفيق الصفير كما سبق في قوم لوط هنا، وفي الآية السابقة(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) يعني تصفيقا وتصفيرا، وهي عادة الكفار الآن فإنهم يخلطون تصفيقهم بالصفير، وانتقلت إلى المسلمين منهم على هذه الهيئة فغالبا لا تسمع تصفيقا إلا معه الصفير، والله المستعان"
كيف يقول رجل يزعم أنه فقيه أن النصوص تدل على المنع حتى لو لم تصح فالفقيه لا يستشهد بدليل غير صحيح وإلا كان يدخل فى دين الله الكفر الذى ليس منه ؟
وبعد أن حرم الرجل مرار وتكرارا التصفيق على المسلمين منها من التشبه بالكفار عاد فأباحه للمسلمات وكأن المسلمات لسن مخاطبات بالشريعة فقال:
"أن التصفيق من شأن النساء ، وقد نهي الرجال عن التشبه بالنساء، ففي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فصلى أبو بكر بالناس ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة فصفق الناس وأكثروا من التصفيق حتى التفت أبو بكر فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وفي آخره قال النبي صلى الله عليه وسلم(ما لي أراكم أكثرتم من التصفيق، من نابه شئ في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح ألتفت إليه وإنما التصفيق للنساء)"
وهو كلام غريب فالنساء لا يجوز لهن التشبه بالكفار والكافرات كالرجال وإلا كن كافرات طبقا لأحاديث التشبه
والرجل يفسر الروايات على هواه حيث فسر التصفيق للنساء بكونه عام فى الصلاة وغيرها مع أن معظم الروايات ذكرت الصلاة فقال:
"وفي هذا الحديث ما يدل على تحريم التصفيق من وجوه:
...الثاني : أنه علل هذا النهي بقوله (إنما التصفيق للنساء)وهذه علة عامة غير خاصة بالصلاة، ويدل عليه قوله (إنما) وهي من أدوات الحصر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهن ففي الصحيح مرفوعا (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء)"
وهو ما يناقض الروايات مثل :
15130- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِراً عَنِ التَّصْفِيقِ وَالتَّسبِيحِ قَالَ جَابِرٌ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِى الصَّلاَةِ وَالتَّسبِيحُ لِلرِّجَالِ ». معتلى 1731 مسند أحمد"
وزعم الرجل أنه التصفيق ورد فى موضعين فقط فى الروايات على حد علمه فقال :
الثالث : أنه لم يأت التصفيق في الشرع –حسب علمي- إلا في موضعين وفي كلا الموضعين أنكرهما الشرع :
الموضع الأول: تصفيق الكفار في عبادتهم (وقد سبق في الوجه الأول) وقد دلت الأحاديث الناهية عن التشبه بالكفار على تحريم مشابهتهم في فعلهم.
الموضع الثاني : تصفيق الرجال هنا في صلاتهم ودل تعليل الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من شأن النساء إلى النهي عن فعله مطلقا للرجال"
وهو ما يناقض أن التصفيق ورد فى مواضع أخرى منها :
-تعليم العدد بالتصفيق كما فى الرواية التالية:
4974- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ». وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ صَفَّقَ الثَّالِثَةَ وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ. معتلى 5046 مسند أحمد
-التصفيق لينتبه الناس للحديث كما فى الرواية التالية:
3269 - وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَهْىَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ تُصَفِّقُ وَتَقُولُ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْىِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدَىَّ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَمَا يُمْسِكُ عَنْ شَىْءٍ مِمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ.صحيح مسلم
وقد كرر الرجل بعض ما قالع سابقا فى الفقرة التالية:
" (وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكف بل قد ثبت عنه فى الصحيح أنه قال (التصفيق للنساء والتسبيح للرجال) و(لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ويسمون الرجال المغنين مخانيثا وهذا مشهور فى كلامهم)وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (الإغاثة) 1/244[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا)وقال ابن حجر في (الفتح) 3/77[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء) وقال العز بن عبد السلام قواعد الأحكام 2/186:
(وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه السلام( إنما التصفيق للنساء) و(لعن عليه السلام المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء) وقال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس)1/316:
(وفيه-يعني التصفيق- أيضا تشبه بالنساء والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار إلى أفعال الكفار والنسوة)وقال ابن حجر الهيتمي في (كف الرعاع) ص298 [وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]وعبارة الحليمي يكره التصفيق للرجال فإنه مما يختص به النساء وقد منعوا من التشبه بهن كما منعوا من لبس المزعفر لذلك وقال الأذرعي: وهو يشعر بتحريمه على الرجال) انتهى.
وقال الشوكاني في ( النيل) 3/182(قوله أكثرتم التصفيق ظاهره أن الإنكار إنما حصل لكثرته لا لمطلقه ولكن قوله ( إنما التصفيق للنساء) يدل على منع الرجال منه مطلقا)"
ونجد ناصر يناقض نفسه فبعد أن بين إباحة التصفيق للنساء فى الصلاة وغيرها فى قوله:
"أنه علل هذا النهي بقوله (إنما التصفيق للنساء)وهذه علة عامة غير خاصة بالصلاة"
عاد فحرم عليهن التصفيق إلا فى الصلاة وهى المذكورة فى الروايات فقال:
"فإن قيل :فهل يجوز للنساء التصفيق دون الرجال
فالجواب :لا يجوز في غير المواضع التي سمح بها الشرع (كالتنبيه في الصلاة) لعموم الأدلة الأخرى المحرمة للتصفيق"
ثم ذكر ما اعتبره دليلا أخر وهو أن النبى(ص) والصحابة لم يصفقوا استحسانا فقال:
"الوجه الخامس من الأوجه الدالة على منع التصفيق :
أنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإنه لم ينقل عنهم مطلقا أنهم كانوا إذا استحسنوا شيئا صفقوا ، بل إما أن يعبروا عن استحسانهم للشئ بالقول ، أو بالتكبير وذكر الله ، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
ما في الصحيحين من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة( ، فكبرنا ، ثم قال ( أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة) ، فكبرنا، ثم قال( إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة).
وفي الصحيح وغيره عن أسماء بنت أبي بكر في قصة ولادة عبد الله بن الزبير وكان أول من ولد في الإسلام بالمدينة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت اليهود تقول قد سحرناهم فلا يولد لهم بالمدينة ولد ذكر وفي بعض الروايات( فكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد عبد الله تكبيرا حتى ارتجت المدينة)
وفي قصة إسلام عمر المشهورة في السير قال عمر لما طرق باب دار الأرقم : ولم يعلموا بإسلامي فما اجترأ احد منهم أن يفتح لي حتى قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (افتحوا له فإن يرد الله به خيرا يهده) قال: ففتح لي الباب، فأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم(أرسلوه ) فأرسلوني ، فجلست بين يديه ،فأخذ بمجامع قميصي، ثم قال ( أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده) فقلت( أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله) قال ( فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرق مكة).
وفي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا (بينما راع في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة، فطلبها حتى استنقذها فالتفت إليه الذئب فقال له : من لها يوم السبع ليس لها راع غيري؟ فقال الناس : سبحان الله ، فقال : فإني أومن به وأبو بكر وعمر)
وفي مسلم عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة) (زاد أبو داود فكبر الناس وضجوا ).
وغيرها من النصوص وهي كثيرة جدا ، وكلها تدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو التكبير والتسبيح إذا أرادوا البيان عن استحسانهم وعجبهم ، وليس من هديهم التصفيق ، وقد قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) ، وقد قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)، فهذه عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهديهم ، وتلك عادة الكفار ، فكيف يتبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فيترك هدي أفضل الخلق إلى هدي المشركين والكفار وقوم لوط ؟؟."
وهو كلام خاطىء فليس معنى عدم فعلهم لشىء أنه كان محرما ففى الروايات أن النبى(ص) لم يكن يأكل الضباب رغم أنها حلال مباح كما تقول الرواية فى صحيح مسلم:
5140 - وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ « لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ »
وذكر الرجل ما زعم أنه دليل مع أنه لم يذكر نصا يدل على ما قرره فقال :
"الوجه السادس من الأوجه الدالة على منع التصفيق:
أن التصفيق عادة سخيفة مرذولة تدل على سفاهة فاعله، و رداءة عقله، وهذه العادة تنكرها الفطر السليمة ولو لم تعرف الأدلة الشرعية، لهذا فإنك لا تجد من يفعلها إلا طوائف من شرار الناس على مر العصور، وما حدثت في عصر إلا وأنكرها علماء ذلك العصر :
فقد روي أنها من عادات قوم لوط التي بها أهلكوا وقد سبق.
وكانت عادة كفار مكة في صلاتهم ، وقد ذمهم الله تعالى عليها كما سبق.
ولما فعلها الصحابة رضي الله عنهم في الصلاة أنكرها الرسول صلى الله عليه وسلم
وانتشرت بين مبتدعة الصوفية فأكثر العلماء من التشنيع عليهم كابن الجوزي في تلبيسه، وابن الصلاح في فتاويه، والعز بن عبد السلام في قواعده، وشيخ الإسلام في كثير من المواضع، وابن القيم في الإغاثة، وغيرهم
وكانت من عادة المخنثين كما ذكره شيخ الإسلام نقلا عن السلف وقد سبق.
وهي عادة الكفار المعاصرين عند تعجبهم أو استحسانهم للشئ وقد أنكرها العلماء وانتشرت فتاويهم بتحريمها في هذا العصر
ولا تجد أحدا له قدم صدق في الدين وقع في هذه الآفة ، بل لا تكاد تجد عالما إلا وقد أنكره هذه العادة ، على مر العصور ، كما سبق أن شاهدت نماذج منها، وكل هذا دليل على ما استقر عندهم من أنها عادة محرمة لا تجوز "
وما قاله وما نقله من أقوال البعض لا يعتد به طالما ليس فيه نص من الوحى فالشىء لا يباح ولا يحرم من أجل واحد أو حتى آلاف قالوا أنه سفه وجنون وإنما يباح ويحرم بقول الله وحده
وقد اعتبر ناصر نفسه أنه أتى للمفتى بالأدلة المطلوبة لتحريم التصفيق فى التعليم فقال :
فإذا تقرر ما سبق يتبين الدليل الذي طلبه الشيخ في قوله :
(إن من يرى هذا الأمر لا يجوز فعليه الدليل قبل كل شئ)
وقد سبق سياق عدة أوجه مانعة من التصفيق وأما قوله :
(وأما من يرى أن ذلك لا بأس به و أن هناك مصلحة في تشجيع الطلاب وتنبيههم فلا ينكر عليهم)فقد بينا لك أنه منكر أنكره الشرع في الكتاب والسنة وتتابع العلماء على إنكاره وتحريمه على مر العصور، وتشجيع الطلاب والمصلحة لا تكون بمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وموافقة هدي الكفار في عاداتهم وعباداتهم كما سبق، وما أنكره الشرع فإن الواجب على المسلم إنكاره بحسب الاستطاعة لقوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في مسلم مرفوعا (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وغيره من النصوص الدالة على وجوب إنكار المنكر.
وأما قوله :
(والذي يفعله الكفار هو أنهم يجعلون المكاء والتصدية عند البيت بدلا عن الصلاة والدعاء ولا يفعلونها عند العجب من الشئ أو استحسانه حتى يقال إن الإنسان المسلم لو صفق عند التعجب من شئ أو استحسانه لكان بذلك مشابها للكفار ، إنما يقول الله عز وجل (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فالمكاء الصفير والتصدية هي التصفيق فهم يجعلون ذلك عبادة)
فسبق أن بينا أن هذا غير صحيح بل لا يلزم من التشبه بهم أن يضم إلى التشبه بهم في ظاهر فعلهم نفس قصدهم من ذلك الفعل، بالإضافة إلى أنه من الثابت أن التصفيق وإن كان عبادة للماضين فهو عادة للمعاصرين منهم وهذا أمر مشهور"
بقى أن نقول لناصر ومن يحرمون التصفيق ما رأيكم فى التشجيع التالى لطلبة العلم :
وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم
استغفار الحيتان ومن فى السموات والأرض لطالب العلم وهو مذكور فى الرواية التالية :
228 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ الْجَهْضَمِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فِى مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ أَتَيْتُكَ مِنَ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِحَدِيثٍ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ قَالَ لاَ. قَالَ وَلاَ جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ قَالَ لاَ. قَالَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِى الْمَاءِ" سنن ابن ماجة
أليس وضع الأيدى لرفع الطالب يشبه ما يسمى رقص الباليه عندما يضع الراقص يده ليرفع الراقصة أو الراقص الأخر ومن ثم يكون فعلا محرما ؟
التصفيق مباح ما دام الغرض منه هو نفع الناس فى حياتهم فتشجيع الطلاب خاصة الصغار مطلوب وخاصة الضعاف منهم لأن هذا يرفع معنوياتهم ويجعلهم يجتهدون أكثر واستخدام التصفيق لتسخين الأيدى فى البرد مطلوب حتى لا تتجمد ولا تتوقف عن الحركة وكذلك استخدامه فى التمارين الرياضية