سورة النور
سميت بهذا الاسم لذكر النور فيها بقوله "مثل نوره كمشكاة "و"ونور على نور ".
"بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون "المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات أوحيناها أى أوجبناها وألقينا فيها أحكام مفهومات لعلكم تطيعون ،يبين الله للمؤمنين أن الله الرحمن الرحيم أى أن الرب النافع المفيد اسمه وهو حكمه قد صدر بأن سورة النور هى سورة أى آيات والمراد مجموعة أحكام أنزلها أى أوحاها الله لنبيه (ص)وفرضها أى وأوجب طاعتها على المؤمنين وفسر هذا بأنه أنزل فيها آيات بينات والمراد أوحى فيها أحكام مفهومات والسبب لعلهم يذكرون أى يطيعون أى يعقلون مصداق لقوله بسورة البقرة "لعلكم تعقلون "والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "المعنى الفاحشة والفاحش فاضربوا كل واحد منهما مائة ضربة ولا تأخذكم بهما رحمة فى حكم الرب إن كنتم تصدقون بالرب ويوم القيامة وليرى ضربهما جماعة من المصدقين ،يطلب الله من المؤمنين أن يجلدوا أى يضربوا كل من الزانية وهى مرتكبة الفاحشة التى هى جماع دون زواج شرعى والزانى وهو مرتكب الفاحشة التى هى جماع دون زواج شرعى وعدد الضربات هو مائة جلدة أى ضربة وينهى الله المؤمنين عن أن تمنعهم عن ضرب الزناة رحمة فى قلوبهم فى حكم الله وهذا يعنى أن عليهم ضرب الزناة إن كانوا يؤمنون أى يصدقون بالله والمراد دين الله واليوم الأخر وهو يوم البعث ويطلب من المؤمنين أن يشهد بعضا منهم عذاب الزناة وهو ينفذ فى مكان عام يقف حوله بعض المسلمين لمشاهدة العقاب وهو عقاب ثانى هو الفضيحة ووقوف المسلمين يعنى ألا يشاهدوا عورات الزناة ومن ثم فهم يضربون وعلى أجسامهم ملابس تغطى العورة ولا تمنع الألم والجزء الأخير وليشهد يبدو جزء من آية أخرى لأنه يتكلم عن حضور وهم المؤمنين قبله ثم يتكلم عنهم بصورة الغائبين والخطاب فيه للنبى(ص).
"الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين "المعنى الفاحش لا يتزوج إلا فاحشة أو كافرة والفاحشة لا يتزوجها إلا فاحش أو كافر ومنع الزنى على المصدقين بحكم الله ،يبين الله للمؤمنين أن الزانى وهو مرتكب الجماع دون زواج شرعى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والمراد لا يتزوج إلا مرتكبة للفاحشة مثله إن رجعا للإسلام أو مشركة وهى الكافرة إن ارتد عن إسلامه ولم يتب وهرب من بلد المسلمين وهذا يعنى أن زوجته غير الزانية تصبح مطلقة على الفور منه ولها كافة حقوقها والزانية وهى مرتكبة الجماع دون زواج شرعى لا ينكحها إلا زان والمراد لا يتزوج منها سوى مرتكب للفاحشة مثلها فى حالة رجوعهما للإسلام أو مشرك وهو الكافر إن ارتدت وهربت من بلاد المسلمين والزانية تصبح مطلقة على الفور من زوجها الذى لم يرتكب الفاحشة دون أى حقوق لها وقد حرم ذلك على المؤمنين والمراد وقد منع الله زواج الزناة على المسلمين والخطاب للنبى (ص) .
"والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "المعنى والذين يتهمون العفيفات ثم لم يحضروا أربعة حضور للزنى فاضربوهم ثمانين ضربة ولا ترضوا منهم قول دوما وأولئك هم الكافرون إلا الذين أنابوا من بعد الرمى أى أحسنوا فإن الله عفو نافع ،يبين الله للمؤمنين أن الذين يرمون المحصنات أى الذين يقذفون النساء والمراد الذين يتهمون العفيفات بارتكاب الزنى ثم لم يأتوا بأربعة شهداء أى ثم لم يجيئوا بأربعة حضور رأوا جريمة الزنى فالواجب علينا أن نجلدهم ثمانين جلدة أى أن نضربهم ثمانين ضربة على أجسامهم عقابا لهم على الإتهام الباطل ويطلب الله منا ألا نقبل لهم شهادة أبدا والمراد ألا نرضى منهم قول دوما أى ألا نصدق لهم حديث دوما والرامون بالزور هم الفاسقون أى الكافرون إلا من تاب من بعد ذلك والمراد إلا من أناب من بعد الذنب وهذا يعنى أن من استغفر لذنب الرمى بعد فعله يعود مسلما ويقبل كلامه وهو شهادته وفسر الله توبتهم بأنهم أصلحوا أى أحسنوا العمل ومن ثم فالله غفور رحيم لهم والمراد عفو عن ذنبهم أى تارك عقابه له نافع لهم برحمته والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين .
"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين " المعنى والذين يتهمون نسائهم ولم يكن معهم حضور إلا أنفسهم فقول أحدهم أربع مرات والله أنه لمن المحقين والخامسة أن غضب الله عليه إن كان من المزورين ،يبين الله للمؤمنين أن الذين يرمون أزواجهم وهم الذين يتهمون نسائهم بالزنى ولم يكن معهم شهداء أى حضور لجريمة زنى زوجاتهم إلا أنفسهم وهى ذواتهم فحتى تثبت الجريمة يجب عليهم شهادة أحدهم أى قول الزوج أربع شهادات أى مرات بالله أى يقول والله إنى لمن الصادقين أى المحقين فى اتهامى لزوجتى بالزنى والخامسة وهى القسم الخامس إن لعنة أى "غضب الله"على كما قال بنفس السورة إن كنت من الكاذبين أى المزورين وهم قوال الزور وهو الباطل وهذا يعنى أنه يشهد أربع مرات بدلا من الشهود الأربع على صدق قوله .
"ويدروأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين "المعنى ويمنع عنها العقاب أن تحلف أربع مرات بالله إنه لمن المزورين والخامسة أن لعنة الله عليها إن كان من المحقين فى قوله ،يبين الله للمؤمنين أن الزوجة المتهمة بالزنى يدروأ عنها العذاب والمراد يمنع عنها تنفيذ العقاب أن تشهد أربع شهادات بالله والمراد أن تحلف أربع مرات بالله إن زوجى من الكاذبين أى المبطلين فى إتهامه لى والمرة الخامسة للحلف تقول إن غضب أى "لعنة الله"على كما قال بالآية السابقة إن كان زوجى من الصادقين أى المحقين فى إتهامهم .
"ولولا فضل من الله عليكم ورحمته وإن الله تواب حكيم "المعنى ولولا نفع الرب لكم أى إفادته لمسكم العذاب وإن الرب غفور قاض ،يبين الله للمؤمنين أن لولا فضل الله وفسره بأنه رحمته أى نفعه لمسهم عذاب فى الدنيا والآخرة بسبب إفاضتهم القول فى إتهام بعض نساء المؤمنين بالزنى مصداق لقوله بنفس السورة "ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم "ويبين لهم أنه تواب أى غفور لمن رجع عن إفاضته القول وهو حكيم أى قاض يحكم بالعدل والخطاب وما بعده للمؤمنين ومحذوف منه بعضه وهو معناه لمسكم عذاب مهين .
"إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم "المعنى إن الذين ألفوا الزور جماعة منكم لا تظنوه ضررا لكم إنما هو نفع لكم ،لكل فرد منهم جزاء ما عمل من الذنب والذى صنع تأليفه منهم له عقاب كبير ،يبين الله للمؤمنين فى عهد النبى (ص)أن الذين جاءوا بالإفك عصبة منهم والمراد إن الذين قالوا الفرية وهى إتهام بعض نساء المؤمنين فرقة من المؤمنين كفرت ويبين لهم أن عليهم ألا يحسبوه شرا والمراد ألا يظنوا الإفك ضرر لهم وإنما هو خير أى نفع حيث أظهر لهم حكم الله فى اتهام الزوجات والنساء بارتكاب الزنى بالباطل أو بالحق ويبين لهم أن لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والمراد لكل منهم عقاب الذى قال من الفرية إن لم يتب وبين لهم أن الذى تولى كبره والمراد أن الذى عمل على تأليف وهو اختراع الفرية منهم له عذاب عظيم أى عقاب كبير والسبب هو أنه لم يتب منه رغم أنه لم يعترف بتأليفه إياه رغم تأليفه له .
"لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين "المعنى لولا حين علمتم به اعتقد المصدقون والمصدقات نفعا وقالوا هذا زور واضح ،يبين الله للمؤمنين والمؤمنات فى عهد النبى (ص)أن الواجب الذى كان عليهم عندما سمعوه أى علموا بالإتهام هو أن يظن المؤمنون والمؤمنات خيرا والمراد أن يعتقد المصدقون والمصدقات بحكم الله فى قلوبهم نفعا وهو كذب القول لعدم وجود شهود فيقولوا هذا إفك مبين أى هذا كذب أى بهتان عظيم مصداق لقوله بنفس السورة "هذا بهتان عظيم" والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين
"لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون "المعنى هلا أتوا عليه بأربعة حضور فإن لم يجيئوا بالحضور فأولئك هم المفترون ،يبين الله للمؤمنين والمؤمنات أن الواجب عليهم أن يقولوا لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء والمراد هلا أحضروا على صدق قولهم أربعة حضور لجريمة زنى بعض نساء المؤمنين ويبين لهم أن القوم إذا لم يأتوا بالشهداء والمراد إذا لم يحضروا الحضور للجريمة فأولئك فى كتاب الله هم الكاذبون أى المفترون أى الظالمون مصداق لقوله بسورة البقرة "فأولئك هم الظالمون ".
"ولولا فضل الله عليكم ورحمته فى الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم "المعنى ولولا نفع الرب لكم أى نصره فى الأولى والقيامة لأصابكم بسبب الذى خضتم فيه عقاب كبير حين تقولونه بكلماتكم أى تتحدثون بألسنتكم الذى ليس لكم به رؤية وتظنونه مباحا وهو لدى الرب محرم ،يبين الله للمؤمنين والمؤمنات فى عهد النيى (ص)أن لولا فضل وهو رحمة الله والمراد نفع أى نصر الله لهم فى الدنيا وهى الأولى والآخرة وهى القيامة لحدث التالى مسهم فيما أفاضوا فيه عذاب عظيم والمراد أصابهم بسبب الذى خاضوا فيه والمراد تكلموا به عن بعض نساء المؤمنين عقاب كبير ويبين لهم أنهم كانوا يقولون بألسنتهم وفسر هذا بأنهم كانوا يقولونه بأفواههم والمراد كانوا يزعمون بكلماتهم ما ليس لهم به علم أى الذى ليس لهم به معرفة يقين والمراد تكلموا عن الذى لم يروه بأنفسهم وهم يحسبونه هين والمراد وهم يظنون الكلام فيه يسير أى مباح وهو عند الله عظيم أى وهو فى كتاب الرب محرم كبير
"ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم فى هذا سبحانك هذا بهتان عظيم "المعنى ولولا حين سمعتموه قلتم ما يحق لنا أن نتحدث بهذا طاعتك هذا كذب ظاهر ،يبين الله للمؤمنين والمؤمنات أن الواجب عليهم عندما سمعوه أى علموا بالإفك وهو اتهام بعض نساء المؤمنين بالزنى هو أن يقولوا ما يكون لنا أن نتكلم فى هذا والمراد لا يصح لنا أن نقول هذا الإفك سبحانك أى الطاعة لحكمك يا رب هذا بهتان عظيم أى "هذا إفك مبين "كما قال بآية سابقة والمراد هذا كذب واضح والخطاب وما بعده للمؤمنين .
"يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم "المعنى ينصحكم الرب ألا ترجعوا لشبهه دوما إن كنتم مصدقين ويوضح لكم الأحكام والرب خبير قاض ،يبين الله للمؤمنين والمؤمنات أنه يعظهم أن يعودوا لمثله أبدا إن كانوا مؤمنين والمراد ينصحهم ألا يرجعوا لقول الزور دوما فى شبه هذه الحالة إن كانوا مصدقين بحكم الله أى مسلمين مصداق لقوله بسورة يونس "إن كنتم مسلمين "ويبين لهم أنه يبين لهم الآيات أى يفصل لهم الأحكام مصداق لقوله بسورة يونس "يفصل الآيات "والسبب لعلهم يتبعونها وهو العليم الحكيم أى الخبير القاضى بالعدل .
"إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله رءوف رحيم "المعنى إن الذين يريدون أن تنتشر السيئة فى الذين صدقوا لهم عقاب شديد فى الأولى والقيامة والرب يعرف وأنتم لا تعرفون ولولا نصر الرب أى نفعه لكم لعاقبكم وإن الرب نافع مفيد ،يبين الله للمؤمنين أن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا والمراد أن الذين يريدون أن ينتشر السوء وهو المنكر فى الذين أيقنوا بحكم الله لهم عذاب أليم أى "لهم عذاب مهين "كما قال بسورة لقمان والمراد لهم عقاب شديد فى الأولى وهى الدنيا وهو القتل والآخرة وهى القيامة ويبين للمؤمنين أنه يعلم وهم لا يعلمون والمراد يعرف عدوهم الخفى وهم لا يعلمون عدوهم الخفى مصداق لقوله بسورة الأنفال "ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم "ويبين لهم أن لولا فضل أى رحمة وهى نفع الله لهم لعاقبهم على ذنوبهم ولكنه رءوف رحيم أى نافع مفيد لمن يتوب منهم من ذنوبه والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء والله سميع عليم "المعنى يا أيها الذين صدقوا لا تطيعوا وساوس الشهوات ومن يطيع وساوس الشهوات فإنها توصى بالكفر أى السوء ولولا نصر الرب أى نفعه لكم ما كرم من أحد دوما ولكن الله يكرم من يريد والرب عارف خبير ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا الوحى فيقول لا تتبعوا خطوات الشيطان أى لا تطيعوا وساوس الهوى مصداق لقوله بسورة النساء "فلا تتبعوا الهوى "والمراد ألا يطيع الفرد رأى نفسه ومن يتبع خطوات الشيطان والمراد ومن يطيع وساوس الهوى أى القرين أى الشهوات أى رأى نفسه فإنه يأمر بالفحشاء والمراد يوصى بعمل الكفر الذى فسره بأنه المنكر وهو السوء مصداق لقوله بسورة البقرة "إنما يأمركم بالسوء "ومن ثم فهو يدخلهم النار ويبين لهم أن لولا فضل أى رحمة وهو نفع الله لهم ما زكى منهم من أحد أبدا والمراد ما رحم منهم من أحد دوما ويبين لهم أن الله يزكى من يشاء أى يرحم من يريد وهو المتقى لقوله بسورة النجم "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "ويبين لهم أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل شىء .
"ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم "المعنى ولا يمتنع أصحاب الغنى منكم والكثرة أن يعطوا أصحاب القرابة والمحتاجين والمنتقلين فى دين الله وليغفروا أى وليعفوا ألا تريدون أن يعفو الله عنكم والرب عفو نافع ،يبين الله للمؤمنين أن على أولى الفضل منهم وفسرهم بأنهم أولى السعة أى أصحاب الغنى ألا يأتلوا والمراد ألا يمتنعوا عن إيتاء أى إعطاء المال لكل من أولى القربى وهم أصحاب القرابة من نسب أو زواج أو رضاع والمساكين وهم المحتاجين للمال والمهاجرين وهم المنتقلين من بلدهم لبلد الإسلام فى سبيل الله والمراد فرارا بدين الله وطلب من الأغنياء أن يغفروا وفسرها بأن يصفحوا والمراد أن يتركوا العقاب الممثل فى منع المال عن أولى القربى والمساكين والمهاجرين الذين خاضوا فى حديث الإفك ويسألهم ألا تحبون أن يغفر الله لكم والمراد ألا تريدون أن يعفو الرب عن ذنوبكم ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن الواجب عليهم أن يريدوا غفران الله لهم فيغفروا للخائضين فى الإفك ويبين لهم أنه غفور رحيم أى عفو نافع لمن يطيعه والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين
"إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فى الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم "المعنى إن الذين يتهمون العفيفات الغائبات المصدقات عوقبوا فى الأولى والقيامة أى لهم عقاب شديد،يبين الله للمؤمنين أن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات وهم الذين يتهمون العفيفات الغائبات والمراد فى غيبتهن المصدقات بوحى الله لعنوا فى الدنيا أى عوقبوا فى الدنيا بالجلد ثمانين جلدة وبالقتل إن لم يتوبوا من ذنبهم وفى الآخرة وهى القيامة بدخول النار وفسر هذا بأن لهم عذاب عظيم أى عقاب شديد مصداق لقوله بسورة فاطر "لهم عذاب شديد ".
"يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون "المعنى يوم تقر عليهم أفواههم وأيديهم وأقدامهم بما كانوا يكسبون ،يبين الله للمؤمنين أن العذاب العظيم للرامين بالباطل يكون يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون والمراد يوم تعترف عليهم أفواههم وأيديهم وأقدامهم بما كانوا يكسبون مصداق لقوله بسورة التوبة "بما كانوا يكسبون "وهذا يعنى أن الله يجعل أعضاء الإنسان تنطق بما أمرها صاحبها أن تفعل فى الدنيا لأنها سجلته فى أجهزة خاصة بها فى خلاياها .
"يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين "المعنى يومذاك يعطيهم الرب جزائهم العادل ويعرفون أن الرب هو العادل العظيم ،يبين الله للمؤمنين أن فى يوم القيامة يوفيهم الله دينهم الحق والمراد يعطيهم الرب جزاء أعمالهم العادل فلا يظلمون مصداق لقوله بسورة الأحقاف "وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون "وعند هذا يعلمون أى يعرفون الحقيقة وهى أن الله هو الحق المبين أى أن الرب العادل العظيم
"الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم "المعنى الكافرات للكافرين والكافرون للكافرات والمسلمات للمسلمين والمسلمين للمسلمات أولئك بعيدون عن الذى يزعمون لهم رحمة أى نفع عظيم ،يبين الله للمؤمنين أن الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والمراد أن الكافرات تتزوجن من الكافرين والكافرون يتزوجون من الكافرات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات والمراد أن المسلمات تتزوجن المسلمين والمسلمون يتزوجون المسلمات ومن ثم محرم الزواج بين مسلم وكافرة وبين مسلمة وكافر مصداق لقوله بسورة الممتحنة "ولا تمسكوا بعصم الكوافر "ويبين الله لنا أن أولئك وهم المسلمون والمسلمات مبرءون مما يقولون والمراد ممتنعون عن الذى يتهمهم به الكفار ولهم مغفرة أى رحمة أى رزق كريم والمراد أجر عظيم هو الجنة مصداق لقوله بسورة المائدة "لهم مغفرة وأجر عظيم "والخطاب وما قبله وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم "المعنى يا أيها الذين صدقوا لا تلجوا مساكنا غير مساكنكم حتى تستأذنوا وتحيوا أصحابها ذلكم أفضل لكم لعلكم تطيعون فإن لم تلقوا بها أحدا فلا تلجوها حتى يسمح لكم وإن قيل لكم عودوا فعودوا هو أفضل لكم والله بالذى تصنعون خبير ،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا الوحى فيقول لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها والمراد لا تلجوا مساكنا سوى مساكنكم حتى تستأذنوا وتحيوا سكانها وهذا يعنى أن دخول البيوت الغريبة لابد فيه من أمرين الاستئناس وهو الإذن بالدخول والسلام وهو إلقاء التحية على أهل البيت مصداق لقوله بنفس السورة "فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة "وأما بيوتنا فمباح دخولنا بلا إذن أو سلام ويبين لهم أن ذلك خير لهم أى أحسن أجرا لهم لعلهم يذكرون أى يتبعون حكم الله ويبين لهم أنهم إن لم يجدوا فيها أحدا فلا يدخلوها والمراد إذا لم يلقوا فى البيوت إنسان فعليهم ألا يلجوها حتى يؤذن لهم أى حتى يسمح لهم ملاك وهم سكان البيوت بدخولها فى غيابهم ويبين لهم أنهم إن قيل لهم ارجعوا والمراد إن قال لهم من فى البيت عودوا لبيوتكم ليس من تطلبون فى البيت فعليهم أن يرجعوا أى يعودوا أدراجهم فهذا أزكى لهم أى أفضل فى الأجر لهم ويبين لهم أنه بما يعملون عليم أى أنه بالذى يصنعون خبير مصداق لقوله بسورة النور "إن الله خبير بما تصنعون ".
"ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون ومما تكتمون "المعنى ليس عليكم عقاب أن تلجوا مساكنا غير مشغولة فيها نفع لكم والرب يعرف الذى تعلنون والذى تخفون ،يبين الله للمؤمنين أن ليس عليهم جناح أى عقاب أن يدخلوا بيوتا غير مسكونة والمراد أن يلجوا مساكنا غير مخصصة لسكن العائلات فيها متاع لهم أى نفع لهم وهى الأماكن العامة من مساجد ودكاكين وغيرها ومن هنا نفهم أن من يدخل بيتا مسكونا يعاقب على دخوله بلا إذن أو سلام بالجلد ويبين لهم أنه يعلم ما يبدون وما يكتمون والمراد يعرف الذى يعلنون والذى يسرون مصداق لقوله بسورة التغابن "ويعلم ما تسرون وما تعلنون "وهذا يعنى معرفته بكل شىء ومن ثم سيحاسب عليه والخطاب للمؤمنين
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون "المعنى قل للمصدقين يمنعوا من أنظارهم ويصونوا أعراضهم ذلك أفضل لهم إن الرب عليم بما يعملون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمؤمنين وهم الذكور المصدقين بالوحى غضوا أبصاركم أى امنعوا أنظاركم من النظر للنساء الغريبات واحفظوا فروجكم أى وصونوا أعراضكم والمراد وامنعوا جماعكم للغريبات أى "ولا تقربوا الزنى "كما قال بسورة الإسراء ،ذلك وهو غض البصر وحفظ الفرج أزكى لكم أى أفضل فى الأجر لكم ويبين لهم أن الله خبير بما يصنعون والمراد إن الرب عليم بما يعملون مصداق لقوله بنفس السورة "والله بما تعملون عليم "والخطاب للنبى(ص)ومنه للمؤمنين وما بعده منه للمؤمنات .
"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن أو أباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهم أو اخوانهن أو بنى اخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون "المعنى وقل للمصدقات يمنعن أنظارهن ويصن عروضهن ولا يظهرن أجسامهن إلا ما أبيح منها وليغطين بأغطيتهن على فتحاتهن ولا يكشفن جسمهن إلا لأزواجهن أو أبائهن أو أباء أزواجهن أو أولادهن أو أولاد أزواجهن أو إخوانهن أو أولاد اخوانهن أو أولاد أخواتهن أو نسائهن أو ما تصرفت أنفسهن أو التابعين غير أصحاب الشهوة من الذكور أو الطفل الذين لم ينكشفوا على أجسام النساء ولا يرفعن أقدامهن ليعرف ما يوارين من أجسامهن وعودوا لدين الله كلكم أيها المصدقون لعلكم ترحمون ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمؤمنات وهن المصدقات بالوحى اغضضن أبصاركن أى امنعن أنظاركم من النظر للرجال الأغراب واحفظن فروجكن أى وصن أعراضكم والمراد امتنعن عن الزنى ولا تبدين زينتكن إلا ما ظهر منها والمراد ولا تظهرن أجسامكن إلا ما أبيح منها من قبل فى آية أخرى وهو الوجه والكفين واضربن بخمركن على جيوبكن والمراد وغطين بأغطية أدمغتكن على فتحات صدوركن ولا تبدين زينتكن أى ولا تظهرن أجسامكن إلا للتالين بعولتكن وهم أزواجكن وأبائكن وهم الأب والعم والجد والخال للمرأة أو أباء بعولتكن وهم أبو الزوج وأبو الحماة وجده وعمه وخاله أو أبنائهن أو أولادهن أو أبناء بعولتهن والمراد أولاد الزوج من النساء الأخريات واخوانهن وبنى وهم أولاد اخوانهن وبنى وهم أولاد أخواتهن ونسائهن وهن الإناث وما ملكت أيمانهن وهم العبيد الذين تصرفت فيهن أنفسهن وهذا يعنى تحريم زواج العبيد على سيداتهن والتابعين غير أولى الإربة من الرجال وهم العائشين معهم غير أصحاب الشهوة من الذكور والمراد المجانين ومن ضمنهم من بلغوا من العمر أرذله فنسوا ما كانوا يعلمون والطفل وهم الأطفال الذكور الذين لم يظهروا على عورات النساء والمراد الذين لم يقدروا على جماع الإناث وهم الذين لم يبلغوا من الصبيان ،ولا تضربن بأرجلكن ليعلم ما تخفين من زينتكن والمراد ولا ترفعن أقدامكن ليعرف الذى توارين من أجسامكن وهذا يعنى أن المرأة عليها ألا تركل أو ترفس شىء برجلها حتى لا تظهر سيقانها التى تخفيها بالملابس ويطلب الله من المؤمنين وهم المصدقين بالوحى جميعا أن يتوبوا إلى الله والمراد أن يعودوا لدين الله والمراد أن ينيبوا لطاعة حكم الله لعلهم يفلحون أى يفوزون برحمته فى الدنيا والآخرة .
"وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم "المعنى وتزوجوا الحرات منكم والمحسنين من عبيدكم وجواريكم إن يكونوا محتاجين يعطهم الرب من رزقه والرب غنى خبير ،يأمر الله المسلمين أن ينكحوا الأيامى منهم والمراد أن يتزوجوا الحرات من النساء ويأمر المسلمات أن ينكحوا الصالحين من عباد المسلمين والمراد أن يتزوجوا المسلمين من عبيد المسلمين ويأمر الله المسلمين أن ينكحوا إمائهم وهن جواريهم المسلمات ويبين الله للكل أن الأيامى والصالحين من العبيد والإماء إن كانوا فقراء أى محتاجين للمال فإن الله يغنيهم أى يعطيهم من فضله وهو رزقه ويبين لهم أنه واسع أى غنى أى رزاق عليم أى خبير بكل شىء والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وأتوهم من مال الله الذى أتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم "المعنى وليصبر الذين لا يلقون زواجا حتى يعطيهم الرب من رزقه والذين يريدون العتق مما تصرفت أنفسكم فواثقوهم إن عرفتم فيهم نفعا وأعطوهم من ملك الرب الذى أعطاكم ولا تجبروا جواريكم على التبتل إن شئن زواجا لتأخذوا متاع المعيشة الأولى ومن يجبرهن فإن الرب من بعد إجبارهن عفو نافع ،يطلب الله من الذين لا يلقون نكاحا وهم الذين لا يقدرون على الزواج بسبب فقرهم أن يستعففوا والمراد أن يصبروا على عدم الزواج فلا يزنوا حتى يغنيهم الله من فضله أى حتى يعطيهم الرب من رزقه المال اللازم للزواج وهو الصداق الذى هو واحد المقدار للحرات ونصفه للإماء ويبين الله للمؤمنين أن الذين تحكمت أنفس المسلمين فى رقابهم عليهم أن يكاتبوهم أى يعاهدوهم والمراد يواثقوهم على تحرير مقابل مال إن علموا فيهم خيرا أى إن عرفوا منهم نفعا والمراد إن عرفوا صلاحا ويبين الله للمؤمنين أن الواجب عليهم تجاه المكاتبين بعد كتابة إتفاق التحرير هو أن يؤتوهم من مال الله الذى أتاهم أى أن يعطوهم من متاع الرب الذى أعطاهم جزء حتى يتاجروا به ثم يدفعوا مقابل تحريرهم من مكسبهم فى التجارة وينهى الله المؤمنين بقوله ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا والمراد ولا تجبروا جواريكم على العزوبية أى التبتل والمراد عدم الزواج إن شئن تعففا والمراد ولا تجبروا إمائكم على العزوبيةة إن أردن زواجا ويبين لهم أن من يفعلون الإكراه هم من يبتغون عرض الحياة الدنيا
أى من يريدون متاع الحياة الأولى المسمى المال وهو مال قريباته ممن ورث وغيره ويبين لهم أن من يكره أى يجبر الفتيات على التبتل أى العزوبية فإن الله من بعد إكراههن أى إجبارهن على العزوبية غفور رحيم أى نافع مفيد امن يتوب حيث يغفر له ما تاب منه والخطاب للمؤمنين